عند النظر عبر بابٍ مفتوح في غرفة القراءة الخاصة بالأميرة ماري في قصر فريدريك الثامن، يبدو مشهد الصالونات المحاذية مشوَّشاً؛ إذ تقع العين على جدران جامحة تتنوّع ألوانها وملمسها من توقيع فنانين مثل أولافور إلياسون وكاسبار بونين ومورتن شيلد. أُنجِزت هذه الأعمال الفنية بتكليفٍ من الأميرة وزوجها، ولي العهد الأمير فريدريك، في عام ،2009 حين ابتاعا المبنى الذي يحمل اسم جدّه الأكبر، وطلبا من عشرة فنانين دنماركيين تزيين غرفه الفسيحة. يجمع الديكور بطريقة عملية بين الأسلوبَين الحديث (مخطط جريء) والتقليدي (تحتفظ الجدران بقوالبها المذهّبة، وتُحيط إطارات خشبية محفورة بكل بابٍ من الأبواب). إنه انعكاسٌ ملائم لشخصية الثنائي الطليعية، لكن لا بدّ من التقيّد ببعض الشكليات. زوّدتني إحدى سيدات الحاشية بتعليمات بشأن الطريقة الصحيحة لإلقاء التحية قائلة: "لا نُلقي التحية هكذا"، مشيرةً إلى ضرب الكوع بالكوع مع ابتسامة مكتومة على وجهها. التزمتُ بالانحناء من دون مصافحة باليدَين.
دخلت صاحبة السمو الملكي الأميرة ماري، زوجة ولي عهد الدنمارك، غرفة القراءة من مكتبها المجاور. كانت ترتدي سروالاً أسود وقميصاً أخضر زمرّدياً بكمَّين منتفخين ومشدودَين جيداً عند المعصم، وكان شعرها بنّياً لمّاعاً يحافظ على نضارته. إنها ودودةٌ ورصينة ومرهفة جداً إنما بحضور آسر. يمتلك القصر الذي يُستخدَم مقراً لورثة العرش الدنماركي مكانةً مهمّة، وتدرك الأميرة جيداً تأثير خياراتها في تسريحة شعرها أو لباسها أو ديكور منزلها. تقول: "الملكية موجودةٌ في زمان ومجتمع تشكل هي جزءاً منهما، والدنماركيون تقدّميون ومبتكرون وأصحاب فكر حرّ"، مضيفةً: "التقدّم رهنٌ بشخصيات أفراد الأسرة المالكة، وحكماً، بالأشخاص في محيطهم".
الأميرة ماري هي ملكة الدنمارك العتيدة. أبصرت النور في أستراليا، وعقدت قرانها على الابن البكر للملكة مارغريت الثانية في عام ،2004 وأصبحت منذ ذلك الحين وجهاً دائم الحضور على الساحة العالمية. تشرّبت منذ نعومة أظفارها الشغف بالخدمة العامة، لا من خلال حضور مناسبات مرموقة لجمع التبرعات وحفلات فخمة خلال طفولتها، بل باحتكاكها بالأوساط الأكاديمية. فقد نشأت ماري إليزابيث دونالدسون بعيداً جداً من المدارس النخبوية أو الرياضات أو الأجواء الاجتماعية التي طبعت شخصيَّات عدد كبير من أميرات تلك الحقبة في بلدانٍ أخرى. وُلدت الأميرة ماري في هوبارت في ولاية تسمانيا، على بعد 10,000 ميل من كوبنهاغن، في عام .1972 والدها جون دالغليش دونالدسون أستاذٌ في مادة الرياضيات التطبيقية ونجل صيّاد سمك اسكتلندي، هاجر إلى أستراليا في عام 1963 مع والدتها الراحلة هنرييتا التي عملت مساعِدة تنفيذية في جامعة تسمانيا. (والدها متزوّج حالياً من كاتبة روايات التشويق الإنكليزية سوزان مودي(.

نشأت ماري مولعة جداً بممارسة الرياضة في الهواء الطلق. نالت شهادة بكالوريوس في التجارة والقانون، وعملت في قطاع الإعلان في ملبورن وسيدني. لكن، بعد وفاة والدتها المفاجئة، تركت عملها وذهبت في رحلةٍ حول العالم. تعرّفت إلى ولي العهد الأمير فريدريك الذي يبلغ الآن الثالثة والخمسين، في حانة خلال أولمبياد سيدني في عام .2000 وهما يعيشان حالياً في القصر مع أولادهما الأربعة، الأمير كريستيان، 16 عاماً، والأميرة إيزابيلا، 14 عاماً، والتوأمين الأمير فنسنت والأميرة جوزفين، 11 عاماً. في الرواق قرب غرفة القراءة، ثمة جدارية تُشبه المصفوفة تجسّد خريطة العالم بريشة الفنان جسبر كريستيانسن، وهي تقدم شهادةً على الخلفيات الجغرافية المتنوعة للزوجَين.

إن كانت أستراليا هي العالم الجديد، فقد وجدت الأميرة ماري في الدنمارك النقيض الأكبر، حيث تُعتبَر الأسرة المالكة من الأقدم في العالم، تعود أصولها إلى الحاكم غورم القديم الذي كان ينتمي إلى شعب الفايكنغ في القرن العاشر. منذ عام ،1513 حمل الملوك الذين تعاقبوا على عرش الدنمارك اسم كريستيان أو فريدريك. وحين يتسلّم زوجها سدّة العرش، سيكون عاشر ملك يحمل اسم فريدريك. معالم التقليد الرسمي حاضرة في المكان. يُقدّم لنا خادمٌ بزيّ أبيض قهوةً في أكواب بيضاء محزّزة من Royal Copenhagen مع أطراف ذهبية صُمِّمت بحسب الطلب. المناديل الورقية مصفوفة بترتيبٍ وعناية، تتزين بالحرفَين الأولين من اسمَي الزوجين F وM بخطٍ فني متشابك. في الخارج، يرتدي حرّاس ملكيون معاطف حمراء مصنوعة من فرو الدب لاتّقاء أمطار كانون الثاني (يناير)، يذرعون الطريق ذهاباً وإياباً أمام واحد من أربعة مبانٍ متطابقة تشكّل قصر أمالينبورغ المثمّن الأضلاع في ميناء كوبنهاغن. في الجهة المقابلة من الساحة، يقع المقر الشتوي للملكة مارغريت الثانية البالغة من العمر 81 عاماً، والتي تحتل المرتبة الثالثة بين الملوك الأطول عهداً في العالم بعد الملكة إليزابيث الثانية (تجمعها بها صلة قرابة من الدرجة الثالثة) وسلطان بروناي.
خلال نشأتها، لم تكن ماري الشابة من متابعي أخبار الأسرة المالكة. تقول: "كنت أعي تماماً أن الملكة إليزابيث هي رئيسة الدولة وأننا جزءٌ من الكومنولث، لكن في حياتي اليومية، لم يكن حضور العائلة المالكة قوياً إلا في مناسبات محددة، كزيارةٍ رسمية أو زفافٍ أو احتفالٍ بيوبيل". أما الآن فنقع على كتابَين ضخمين عن الملكة إليزابيث موضوعَين على المنضدة الجانبية في غرفة القراءة. تردف الأميرة ماري: "اليوم... آه! لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي بالملكة إليزابيث وبحماتي، ملكة الدنمارك، على تفانيهما في خدمة بلديهما وشعبيهما طوال حياتيهما". باتت لهجتها مصبوغةً بنبرة الصوت الرتيبة التي يُعرَف بها الدنماركيون. تتقن لغتها الجديدة وتستعين من حينٍ لآخر بكلمات باللغة الدنماركية للتعبير عن فكرتها. وحين يتحوّل الحديث إلى اللغة الدنماركية، تستخدم ضمير المخاطب"de" بدلاً من ،"du" في صيغةٍ راقية من صيَغ التخاطب الرسمي التي بات استخدامها شبه محصورٍ، للأسف، بالأسرة المالكة في الدنمارك في الزمن الراهن.

لا تتمتّع العائلة المالكة الدنماركية بأي سلطة لاتّخاذ القرارات، لكنها تتميز بأهمية رمزية في البلاد؛ إذ تصفها الأميرة ماري بأنها "مؤسّسة جامِعة" مستخدمةً المصطلح الدنماركي "samlingspunkt". زوجها رياضيٌّ متفانٍ يقود سباقاً عاماً في رياضة العَدو يُنظَّم سنوياً تحت عنوان Royal Run (الركض الملكي) في أنحاء مختلفة من الدنمارك، ويبدو أنيقاً في زيّه البحري. والدته، الملكة، شخصيةٌ أكبر من الحياة، فهي فنّانة متعددة المواهب تتمتع بحسٍّ ساخر، ولا تبخل في تدليل نفسها، لكنها تحافظ على إدراك شبه تقليدي لما يُمليه الواجب والمراسم الاحتفالية والبروتوكول في حياتها الحافلة بالإبداع. تحظى الملكة بشعبيةٍ واسعة. فقد أظهر استطلاع أجرته شركة Kantar Gallup في عام 2020 أن 84 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 5.8 ملايين نسمة يدعمون الملَكية. تشرح هيل ثورنينغ - شميدت التي كانت رئيسةً لوزراء الدنمارك عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي بين عامَي 2011 و2015، وهي متزوّجة من النائب عن حزب العمّال ستيفن كينوك: "الملَكية مؤسسة جامِعة لمملكة الدنمارك وغرينلاند وجزر فارو، تقترن أيضاً مع شيء من الإبهار والأبّهة والوقائع التي تفرضها الظروف". تضيف: "حتى في دولة قائمة على الرعاية الاجتماعية وحريصة على المساواة، تدغدغ لمسةٌ من العظمة مشاعر الإعجاب لدينا".
لعلّه التأثير الذي يمارسه الكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسِن – يربض نصب "الحورية الصغيرة" المستوحى من روايته في أسفل المارينا نزولاً من قصر أمالينبورغ – لكن بالرغم من الديمقراطية الاجتماعية التي تضبط إيقاع الحياة في البلاد، لا تتوقع الدنمارك من رؤساء الدولة أن يكونوا أناساً عاديين. تتربّع الملكة فوق أربعة قصور، ومنتجع للصيد، وقصر في فرنسا، ويخت ملكي يُستخدَم في الزيارات إلى جزر فارو وغرينلاند. تحافظ الأميرة ماري وزوجها على خصوصيتهما حين لا يكونان في مهام رسمية. في عام ،2009 أكّدت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري التي كانت موجودة في الدنمارك لتصوير برنامجٍ تلفزيوني، في تصريحٍ أدلت به للصحافة الدنماركية، أن الزوجَين رفضا بلباقة طلبها إجراء مقابلة معهما.
"كنت معتادة على ارتداء قميص رياضي قصير الكمين فوق سروال قصير، وكان يُعرَف عني تنقلي حافية القدمين"
يساهم الإبهار الذي يحيط بزوجة ولي العهد في زيادة الاهتمام الإعلامي بها. خلال الفعاليَّات التي أُقيمت على مدى أسبوع قبل الزفاف، أطلّت الأميرة ماري رسمياً على الدنماركيين الذين ذُهِلوا بها: تألّقت بفساتين رائعة ارتدتها مع حلي فاخرة مصنوعة بالياقوت تزيّنت بها ديزيريه كلاري )تُوّجت لاحقاً ملكةً على السويد والنرويج) في حفل تتويج نابوليون في عام .1804 "في المرحلة الأولى، كان واضحاً أن هناك توقعات بشأن لباسي والإطلالة بطريقة ملائمة في المناسبات"، تقول الأميرة ماري التي اعتادت أن تضع، في المهام الرسمية، أوشحةً متموّجة ونجوماً فضية وصلباناً بيضاء وشارة وسام الفيل المرصّعة بالألماس. تتابع: "كان ذلك عسيراً جداً بالنسبة إلي؛ إذ كنت معتادة على ارتداء قميص رياضي قصير الكمين فوق سروال قصير، وكان يُعرَف عني تنقّلي حافية القدمين". في السنوات اللاحقة، كشفتْ عن أسلوبٍ حديث جداً في مقاربتها اللباس الملكي اليومي، فتخلّت إلى حد كبير عن البزّات المؤلّفة من تنانير وعن الفساتين المنمّقة، واختارت بدلاً منها ملابس رسمية غير منسّقة وإطلالات بسيطة وانسيابية.

يقول السير بول سميث، وهو صديق مخضرم لولي العهد الأمير فريدريك: "لطالما أُعجبت كثيراً بقدرة صاحبة السموّ الملكي، ملكة البلاد العتيدة، على ارتداء ملابس تلائم مكانتها وتتّسم أيضاً بطابع عصري"، مضيفاً: "تتحلّى بالثقة اللازمة لارتداء ملابس تعكس السلطة التي يقتضيها دورها إنما بأسلوب يلائم العصر الحالي. وتحافظ دائماً على إطلالة الأميرات لكن من دون مبالغة. وهي قادرة حتى على جعل سروال الجينز الممزّق يبدو ملوكياً عليها!" لا تتردّد الأميرة ماري أيضاً في ارتداء ملابس من توقيع مصممين على غرار سميث. وتمزج بخفّةٍ بين العلامات التجارية الدنماركية من جهة وChanel وPrada وHermès من جهة أخرى، وغالباً ما ترتدي ثياباً من توقيع مصممين شباب دوليين مثل إردم. "الأسلوب الذي تعتمده في إطلالتها المسائية لا يختلف عن أسلوبها خلال النهار"، يقول إردِم مورالي أوغلو مضيفاً: "تجمع بين الطابعَين الملوكي والرسمي في آن. إطلالاتها ملائمة تماماً للفعاليات التي تحضرها، علماً أنها تبدو دائماً عصرية ومسترخية على نحوٍ جميل".
"حين أخرج لتناول الطعام أو أذهب إلى السينما برفقة أولادي، أشعر بأننا نتمتع بالمساحة اللازمة للقيام بهذه الأمور"
حين سُئل كارل لاغرفيلد في عام 2010 عن رأيه بدوقة كامبريدج، أجاب بأن كاثرين التي تصغر ماري بعشر سنوات وتشبهها في رشاقتها ولباقتها، تبدو كأنها "شقيقتها الصغرى". لا مفرّ من المقارنة، لا سيما في الوقت الحالي حيث تستخدم الدوقة، أسوةً بزوجة ولي العهد الدنماركي، منبرها العام لتحويل أنظار الإعلام بعيداً من لباسها ودفعه نحو التركيز على قضايا أخرى ترفع لواءها. تعلّق الأميرة ماري: "أحياناً، قد تشعر بالاستياء لأن ما ترتديه يحجب القضية التي تناضل من أجلها. لكنني أستشعر تحوّلاً في وجهة التركيز، فهناك تركيز أقل على مظهري الخارجي، وهذا ما أتمنّاه".
قبل ثلاثة عشر عاماً، شاركت الأميرة ماري في الدورة الأولى لقمّة الاستدامة الدولية Global Fashion Agenda بقيادة الدنمارك، والتي باتت من الفعاليات الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة في قطاع الموضة، وتتميز بقائمة استثنائية من المتحدّثين ذوي التأثير الواسع. تقول عن نجاح القمة: "كانت الاستدامة موضوعاً جديداً نسبياً في ذلك الوقت. أُحرِز بعض التقدم، إنما لا تزال هناك حاجة إلى تحوّل هائل. أتطلع إلى اليوم الذي تصير فيه الاستدامة هديةً نتلقاها مع كل قطعة ثياب نبتاعها".
لعلّ انخراطها الأول على الساحة الدولية كان من خلال الموضة، لكنها تحوّلت في الأعوام الأخيرة إلى الأعمال الإنسانية. فقد باتت زوجة ولي العهد نصيرةً قوية لحقوق المرأة الإنجابية، وصحة الأم، والحقوق الجنسية والإنجابية في البلدان النامية، والحقوق الدولية لمجتمع الميم. بعض قضاياها بديهيّ، في حين أن بعضها الآخر أكثر إثارة للجدل وفقاً لاعتبارات يُمليها المشهد الجيوسياسي. تقول عن قرارها بأن تكون واجهةً لمنظمة WorldPride المعنيّة بالدفاع عن حقوق مجتمع الميم: "أعيش في زمنٍ حيث لا تزال هذه الموضوعات محط جدل وموضع نزاع، لكنه حقٌّ من حقوق الإنسان"، مضيفةً: "أنا من أشدّ المؤمنين بأننا نملك جميعنا الحق في أن نكون على حقيقتنا، بغض النظر عن الهوية الجندرية أو التوجّه الجنسي. الدنمارك صوتٌ قويّ في هذه المسألة، وأردتُ أن أناصر هذه القضية".
على المنوال نفسه، أخذت زمام المبادرة في عملها من أجل حقوق المرأة في البلدان النامية. تقول: "لطالما كان لديّ إحساسٌ قويّ بالعدالة، وبضرورة أن يحظى الجميع بالمساواة في الفرص، أياً تكن خلفياتهم وأصولهم".
لا تُقصّر الأميرة ماري مطلقاً في النهوض بمهمتها. فعلى مدى عامَين قبل الجائحة، قامت بأكثر من عشرين رحلة عمل إلى كينيا مع منظمة Women Deliver المعنية بالمساواة الجندرية، وإلى إندونيسيا معUnited Nations Populations Fund ، وإلى إثيوبيا مع وزير التعاون الإنمائي الدنماركي. وهي متحدِّثة موهوبة، ألقت خطابات مفعمة بالعاطفة والشغف في قمم عن حقوق الإنسان، وكانت من الجهات الراعية والمناصرة لمنظمة الصحة العالمية. في العام الفائت، توجّهت إلى بوركينا فاسو لنشر التوعية حول محنة النساء اللواتي يعانين مشكلات مختلفة، مثل تشويه الأعضاء التناسلية، والزواج القسري، والحمل في سن مبكرة، والمعوّقات أمام تحصيلهن العلمي. تقول الأميرة ماري: "انطلقت مسيرتي من الإدراك بأن اللامساواة وعدم احترام حقوق الإنسان هما السببان الأساسيان وراء وفيات الأمهات، وبأن المرأة لا تزال معرّضة، حتى في يومنا هذا، للوفاة بسبب الإنجاب".

أما في الدنمارك فقد أتمّت الأميرة ماري تحصيلها العلمي العسكري الذي أتاح لها الالتحاق بفرقة الحرس الداخلي الدنماركي، حيث تحمل الآن رتبة كابتن، وتتشارك مع زوجها ولعه بالرياضة. تلقّت الأميرة الشغوفة بالفروسية دروساً في تدريب الخيل، وتملك جوادَين أحدهما دنماركي من ذوات الدم الحامي تمتطيه في المسابقات التنافسية. تقول: "لطالما كانت الاسطبلات مكاناً محبّباً إلى قلبي. هناك أكون ماري فحسب. إنها تحفّزني كثيراً على التأمل".
أماكنها المفضّلة في الدنمارك هي في قلب الطبيعة. تقول: "أجد أن الغابات غريبة جداً، لا سيما في الربيع حين تورِق أشجار الزان. يذكّرني ساحل بحر الشمال بتسمانيا، حين يكون البحر هائجاً وهادئاً على السواء". في كوبنهاغن، لطالما كان موقعها المفضّل "قلعة روزنبرغ بهندستها المعمارية التي تعود إلى عصر النهضة والمستوحاة من الروايات الخيالية"، في إشارة إلى التحفة المعمارية التي شُيِّدت في عام ،1606 والتي أسرت فؤادها ما إن وقع نظرها عليها.
وجدت زوجة ولي العهد أوجه تقارب بين أستراليا والدنمارك، لكن بعد وصولها إلى كوبنهاغن، شعرت أحياناً بأنها تقول الأمور بطريقة "مباشرة" جداً، بحسب تعبيرها. تروي: "بحثت كثيراً عن مرادف لكلمة ‘رجاءً ’ بالدنماركية"، إنما لا أثر لهذه الكلمة. بدلاً من ذلك، وجدت صراحتها الأسترالية متنفّساً لها من خلال القضايا التي تدعمها.
تقول ثورنينغ - شميدت: "ظهرتْ في صورة الشخصية التقدّمية جداً التي تمثّل الدنمارك، الأمر الذي يلقى ترحيباً في أوساط كثيرين بيننا"، مضيفة: "لطالما كانت الأسرة المالكة في بلادنا صاحبة توجّهٍ دولي في تفكيرها، لكن الأميرة ماري أضفت على الملَكية الدنماركية طابعاً دولياً راسخاً جداً بانخراطها الشديد في العمل ذي الطابع العالمي والواسع النطاق". اختبرت ثورنينغ - شميدت "تأثير ماري" عن كثب حين تولّت منصب الرئيسة التنفيذية في Save the Children International . تعلّق: "إنها تمثّل مملكة صغيرة، لذا عليها أن تبذل مجهوداً أكبر كي تلفت الأنظار على الساحة الدولية. لمستُ التفاعل الدولي معها في مناسبات عدة، وتبيّن لي أن الأشخاص يصغون فعلاً إلى ما تقوله".
أوجه التشابه مع أميرة الشعب واضحة ومسلَّمٌ بها، لكن إذا كانت ماري هي ديانا الدنمارك، فهذا التشبيه لا يشمل الجانب الكئيب في حياة الأميرة البريطانية الراحلة. والحال هي أن صورة الزوجَين في الميدان العام لا تعتريها أي تعقيدات، فهما يعبّران بكل سرور عن الحب المتبادل بينهما. ربما كانت حياة الأسرة المالكة في الدنمارك أسهل قليلاً مقارنةً بالبلدان الأخرى؟ تعلّق الأميرة ماري: "لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال، لأنني لا أعرف طبيعة الحياة التي يعيشها أفراد الأسر المالكة في البلدان الأخرى".

تقول ثورنينغ - شميدت عن علاقة الجمهور بالأسرة المالكة: "نحن نحميها قليلاً. إذا ارتكبت هفوات بسيطة، نغضّ النظر. وهذا عين الصواب. يجب إحاطة الملَكية بأجواء من المراسم الاحتفالية والشكليات الرسمية، وفي الدنمارك نتقن الحفاظ على هذه الأجواء".
ترسم زوجة ولي العهد صورةً جميلة لحياتها اليومية في كوبنهاغن: "يعتزّ الدنماركيون بأن الأسرة المالكة قادرة على التنقّل بحرية في المجتمع. لهذا السبب، هناك احترامٌ طبيعي للمساحة الشخصية. حين أقصد كوبنهاغن أو أخرج لتناول الطعام أو أذهب إلى السينما برفقة أولادي، أشعر بأننا نتمتع بالمساحة اللازمة للقيام بهذه الأمور". دخلتْ ماري عالم الأميرات بحلول عصر الهواتف المزوّدة بكاميرات، والمتابعة اللصيقة التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي. تعلّق: "الجانب الإيجابي هو أنه بات بإمكاننا التواصل بطريقة أكثر مباشرة. في الجانب السلبي، يستطيع أيُّ شخص في أي مكان وأي وقت أن يلتقط صورةً أو مقطع فيديو. لكن، ماذا عساك أن تفعل؟ أتواصل مع الأشخاص بتبادل النظرات، وأبتسم. إذا ذهبتَ في نزهة سيراً وأراد كلبك التفاعل مع كلب آخر"، في إشارة إلى كلبة العائلة غرايس من فصيلة بوردر كولي، "تبدأ بتجاذب أطراف الحديث مع مالك الكلب الآخر".

التعايش مع وسائل التواصل الاجتماعي هو من المجالات التي تحتل صدارة الاهتمامات لدى الأميرة ماري. "إنه أداة ومشكلة في الوقت نفسه"، بحسب قولها. "يمكن أن تتسبب وسائل التواصل الاجتماعي بتفاقم مشكلات كثيرة مثل التنمّر والوحدة، إنما لا يمكننا أن نتّهمها دائماً بأنها مصدر المشكلة لأنها تتيح بعض القنوات الفريدة للتفاعل مع الآخرين".
تسعى زوجة ولي العهد، من خلال Mary Foundation التي أنشأتها في عام 2007 وتشمل منصّة ومعهداً بحثياً، إلى معالجة مسائل مجتمعية مثل العزلة والتحرّش والعنف المنزلي. تقول: "وجدتُ دائماً صعوبةً في رؤية أشخاص يعيشون في الوحدة، فأنا لا أفهم لماذا لا يمكنهم أن يكونوا جزءاً من أمرٍ أكبر من أنفسهم. يحرّكني دائماً فضولٌ لتكوين فهمٍ حقيقي عن أوضاع معيّنة وتداعياتها. هذا هو الدافع الذي يحفّزني على العمل، والمنبر الذي أطلّ من خلاله".
ذات يوم، سيتولى نجلها الأمير كريستيان ولاية العهد، ثم يُنصّب ملكاً على الدنمارك. وأعلنت الأسرة المالكة أنها لا تتطلع إلى منح "امتيازات" أو apanage - بحسب المصطلح المستخدَم في اللغة الدنماركية والذي هو مرادف للامتيازات المدرجة في ما يُسمّى "القائمة المدنية" - لأولادها الثلاثة الأصغر سناً. تقول الأميرة ماري إن هواجسها بشأن الجيل المقبل مرتبطة بالأزمنة التي نعيش فيها: "لدينا مراهقان في المنزل، وسنوات المراهقة تنطوي على تحوّلات واسعة وهشاشة شديدة. ففيها، يرتكب المرء الأخطاء، والأخطاء مهمّة. عسى أن يتعلّم الشخص من أخطائه، ويسلك المسار الصحيح. لذلك، آمل في أن يستمرّا في التمتع بالحرية والمساحة اللازمتَين لارتكاب تلك الأخطاء واجتياز تلك السنوات الاستكشافية".

حين النظر من نافذة غرفة القراءة، تظهر الملامح الضبابية للعبة ترامبولين في حديقة القصر. وتزدان خزانةٌ بصورةٍ عائلية. تقول الأميرة ماري عن تطلّعاتها في ما يتعلق بأولادها: "نأمل في أن يكبروا ويصبحوا أقوياء ومستقلين، وفي أن يتحلّوا بالشجاعة لتحقيق طموحاتهم. مهمٌّ أن يعرفوا هويتهم، وأن يتباهوا بها وبالأسرة التي ينتمون إليها، وأن يدركوا ما تمثّله هذه الأسرة للدنماركيين".
هل هذا هو سرّ الحياة الملكية العصرية؟ "لا أعتقد أن هناك سراً"، تجيب الأميرة ماري قبل أن تردف: "إنه التواصل مع الناس والتواجد قربهم، ومعرفة ما يجري في المجتمع، والاتجاه الذي نسلكه، وما هي النزعات والتحديات الجديدة. إنها عملية طبيعية وأساسية تتواصل مع تعاقُب الأجيال". حين يتعلق الأمر بإرساء ملَكيةٍ حديثة، يبدو أن أميرةً صادقة قادمة من تسمانيا تستطيع في أغلب الأحيان النطق بالحقيقة الدنماركية.