"الراحة مَلِكٌ"، كما يقول رجل الأعمال البريطاني روبن بيرلي مجيباً عن سؤال بشأن نجاح نادي العضوية الحصري5Hertford Street الذي افتتحه في مايفير في عام ،2012 ويتردّد إليه أفرادٌ من العائلة المالكة، وسياسيون ونجوم شعبيون. فالنادي الذي يوصَف بأنه الأكثر إحاطةً بالكتمان في لندن، اختاره دوق ودوقة ساسكس في مواعدتهما الأولى، فيما يُقال إن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس "رفضت مجرد التفكير في أي مكانٍ آخر" لتناول غداء عمل في حزيران (يونيو) الماضي. يشعر الداخل إليه كأنه يطأ بقدمَيه أرض منزلٍ ريفيٍّ إنكليزي قديم متجذّر في تقاليد آداب السلوك التي سادت في العالم القديم، حيث يُتوقَّع من الأعضاء أن "يتأنّقوا طوال الوقت"، وحيث يحصل الضيوف (وكلابهم) على ترفيهٍ راقٍ.
في هذا المكان، يجد بيرلي جنّته المنشودة. فالرجل البالغ من العمر 63 عاماً يطلّ دائماً في بزّةٍ وربطة عنق، ويُعرَف بعشقه الكلاب ("أحبّ أن أراها في أرجاء النادي، فذلك يعني أن لا كلب متروكاً وحده في منزلٍ في مكانٍ ما"). ألتقيه في المكان للحديث عن إطلاق مجموعته الأولى للأدوات المنزلية ،Birley التي تتألف من قطع قديمة الطراز ومشخصنة صُمِّمت بعناية شديدة، ابتداءً بأواني المائدة والآنية المصنوعة من زجاج مورانو وانتهاءً بالأوسدة المصنوعة بأقمشة أعيد تدويرها، تُباع بأسعار تبدأ بنحو £55 للقطعة الواحدة. يُستخدَم بعض هذه القطع يومياً في النادي. وأسوةً بهذه المجموعة، سوف تُستلهَم المجموعات المقبلة، وتشمل قطع أثاث وإنارة، من مواضيع الديكور الداخلي الذي يتميّز به هذا المكان.

يقول بيرلي عن المجموعة التي ستُباع عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني (يمكن الاطلاع على الدليل الخاص بها عبر الإنترنت)، وبناءً على موعد في محترفه الذي يقع في الجهة الأخرى من الشارع: "بدأ الأمر بمجالستي أشخاصاً إلى مائدتَي الغداء والعشاء. كانوا يسألون أين يمكنهم الحصول على كأس أو صحن معيّن، فأجيبهم دائماً بأنه يمكنهم أن يأخذوا واحداً منها"، مضيفاً :"لم تكن الانطلاقة سهلة. لكن مثلما هو الحال في جميع الأعمال، إذا أمكنك رفع التحديات المالية وتخطي الصعوبات، فهذا أمرٌ رائع. إنه يشعرني بمتعة كبيرة".
السعادة التي يستمدّها بيرلي من تصميم عالمه الجمالي الخاص في ناديَيه (يملك أيضاً نادي Oswald’s في مايفير) تتجلى بوضوحٍ حين يصحبني في جولة على نادي 5Hertford Street الذي ينبسط على مساحة العديد من المنازل التي تعود إلى القرن الثامن عشر خلف واجهة حمراء متواضعة. يُريني متباهياً كل غرفة من الغرف كأنها منزله الخاص (يقطن في منزل في Shepherd Marketيقع على مرمى حجر من النادي) في كل زاويةٍ من المكان موقدٌ ضخم (لا بدّ منه، كما يقول بيرلي)، وهناك كنباتٌ يغرق فيها الشخص بدلاً من مجرد الجلوس عليها، وتنسيقات مختارة بعناية من أعمال فنية وقطع أثرية تقترن مع ورق الجدران الغريب والسجاد المزيّن.


تتوزّع الصور الفوتوغرافية العائلية والأغراض الموروثة في أرجاء المكان، ومنها صورٌ لروبرت، شقيق بيرلي (اختفى حين كان يعمل في غرب أفريقيا في عام 1986 ويُعتقَد أنه لقي حتفه هناك) تستقرّ على رف الموقد في إحدى الغرف. يشرح بيرلي ونحن ننظر إلى داخل الحجرة: "سمّيتُ هذه الغرفة تيمّناً به"، ثم ننتقل إلى غرفة طعام من اثنتَين في المنزل، أطلق عليها اسم عمّه أليستير. تتضمّن الأعمال الفنية الرائعة في هذه الغرفة (تغطّي الجدران كلها داخل النادي) أعمالاً بريشة جدّه، رسّام البورتريه الشهير في القرن العشرين أوزوالد بيرلي، الذي رسم أفراداً من العائلة المالكة وشخصيات عامة، منها صديقه رئيس الوزراء الأسبق ونستون تشرشل.
"ابتعت لتوّي كمية كبيرة من الآجرّ الإسباني الذي يعود إلى القرن السادس عشر. ليس لدي مكان لوضعها، لكنني سأستخدمها"
يقول بيرلي مشيراً إلى صورة لمبنى لندنديري هاوس: "يحتاج النادي إلى هذا الرابط الشخصي". تعبّر هذه الصورة عن نسَب والدته، الليدي أنابيل غولدسميث، كريمة مركيز لندنديري الثامن التي أُطلِق اسمها على الملهى الليلي اللندني الشهير الذي كان زوجها الأول مارك، والد بيرلي، يملكه قبل أن يبيعه إلى ريتشارد كيرينغ في عام 2007 في صفقة بلغت قيمتها 90 مليون جنيه استرليني. يعلّق بيرلي: "بالطبع، لا يلائم النادي أي انطباع بأن شركة ما تديره، بل تحتاج إلى رابطٍ بعائلة أو بشخص".

ينخرط بيرلي بفاعلية في مختلف الجوانب التي يقتضيها العمل على إنجاز القطع المختلفة، ابتداءً بأواني المائدة وانتهاءً بتصاميم الديكور الداخلي، وهو عمل مع طوم بِل ورفعت أوزبِك على تنسيق الديكور، ما أضفى طابعاً جمالياً عصرياً على أسلوب المنازل الريفية الإنكليزية الفخم الذي عُرِف به مارك بيرلي، مع إضافة الكثير من اللمسات الانتقائية النابضة بالحياة. يقول بيرلي فيما ندخل إحدى الغرف التي تحمل بصمات مصمم الأزياء أوزبِك المولود في إسطنبول والذي كان من بين مصمّمين تفضلهم ديانا أميرة ويلز، لكن تركيزه ينصبّ في الآونة الأخيرة على تصميم الديكور الداخلي: "يتمحور ستون بالمئة من العمل الذي أقوم به هنا حول تصميم أشياء مريحة للغاية".
يمضي بيرلي القسم الأكبر من وقته في العمل بصورة مستمرة على تجديد الأغراض والتصاميم في هذه الفضاءات. يقول مبتسماً: "أعشق كثيراً ما أفعله. يوم الجمعة مميّزٌ جداً لأنني أتسلّم جميع الصور التي وُضِعت لها إطارات جديدة. فأقرر أين أضعها. وأقوم بتبديل أماكن الأواني"، مشيراً إلى ثلاث زبديات ملوّنة معلّقة فوق باب المدخل في غرف الرسم الخاصة في الدور السفلي. يتابع: "حصلت عليها من مكان رائع في إشبيلية، وابتعت لتوّي كمية كبيرة من الآجرّ الإسباني الذي يعود إلى القرن السادس عشر. ليس لديّ مكانٌ لوضعها، لكنني سأستخدمها تباعاً في المرحلة المقبلة".

وعن تلك المرحلة المقبلة، يكشف بيرلي، لاحقاً خلال الحديث، أنه يخطط لإنشاء ناديَين دوليين جديدين: "سأفتتح نادياً في نيويورك بعد 18 شهراً، وسأضع فيه الكثير من هذه الأشياء. ثم آمل في أن أفتتح نادياً آخر في بالم بيتش، حيث سأضع عدداً كبيراً منها أيضاً. هذا هو الجزء السهل"، يقولها ضاحكاً.
يعمل بيرلي عن كثب مع فريق صغير يصمم قطعاً للنادي بحسب الطلب. تشرف المديرة الإبداعية نانسي ليخترمان على القطع التي ستنضم إلى مجموعة Birley للأدوات المنزلية، وهي أنشأت مشغلاً في المحترف حيث تُصنَع قطع من الورق المعجّن وأوعية توضَع فيها أصائص الزهور للزينة، وتُرسَم الأحرف الأولى للاسم يدوياً على الولاعات. وهي أرست أيضاً علاقات مع شبكة متنامية من الحرَفيين الذين يُستعان بهم في هذا العمل.

كبير المصممين هو الإيطالي ويلي لاندلز، مصمم مقعد Throw-Away للعلامة التجارية Zanotta في عام ،1965 الذي التقى مارك بيرلي أول مرة في خمسينيات القرن العشرين حين كان يعمل في القسم الفني في وكالة J Walter Thompson الإعلانية، وقد أسّس أيضاً مجلةHarpers&Queen . لم يعد لاندلز، البالغ من العمر 94 عاماً، ثابت الخطى كما في السابق، لكنه يعوّض عن ذلك وأكثر بفضل ما يتمتّع به من حس دعابة ألمعيّ وروح مفعمة بالحيوية. من مساهماته في المجموعة مطحنة فلفل متعددة الألوان. يقول عن شكلها البسيط والطفولي: "أشبّهها بجنديّ لعبةٍ صغير".
صمّم لاندلز أيضاً إبريق مياه وكؤوساً بحافّة زرقاء صنعها نافخو الزجاج في جزيرة مورانو؛ وتزدان إحدى الصواني التي تحمل توقيعه بورقٍ من فلورنسا، كالورق الذي يتذكّر أن والدته كانت تستخدمه لتغليف الكتب في مكتبتها في منزلهم في ميلانو. يقول: "كانت تستخدم ورقاً أخضر للكتب الفرنسية، وأزرق للإنكليزية، وبنّياً للإيطالية. المشكلة الوحيدة هي أن الورق كان يحجب العناوين، لذلك حين تختار كتاباً، لا تعرف ما هو". ونصح أيضاً بيرلي بالاستعانة بمصنع السيراميك الإيطالي Ginori 1735 لصنع أواني المائدة، ويدأب باستمرار على ابتكار تصاميم لأوانٍ وأدوات مشخصنة تُصنَع خصيصاً للنادي. أصبحت أكواب الشاي المرهفة الذوق من Ginori جزءاً من البصمة الخاصة بعلامة .Birley يقول: "انظري إلى مقبض الكوب. لم يتغيّر التصميم منذ 250 عاماً".
يسري الاهتمام بالتفاصيل في عروق بيرلي. فهو صعب الإرضاء في مقاربته الأمور، تماماً مثل والده. يعلّق: "كأنّ هناك دائماً حصاة صغيرة في حذائك. إذا كنتُ أتبادل الحديث مع أحدهم ورأيتُ صورةً غير معلّقة كما يجب، لا يمكنني التركيز. تتملّكني رغبة شديدة في الذهاب وتصحيح موضعها". ويختم قائلاً: "ورثت هذا الطبع ، فأنا لا أستكين قبل أن تستقيم الأمور في مكانها الصحيح. لكنني أعتقد أن الأشخاص يتوقون إلى ذلك. يريدون لمسةً شخصية بعدما بات التجانس المعمّم يطغى على كل شيء، أما هذا المكان فمختلف تماماً".