مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تقارير

آن - ليز كريمونا: العطر عملٌ فني لا نراه

سليلة هنري كريمونا متمسكة بفن العطارة الرفيع، لكن برؤية متجددة، تفتتحها بعطر صلب للرجال. أنيمتة كلينكبي تروي القصة الكاملة

آن-ليز كريمونا في مكتبها آن-ليز كريمونا في مكتبها

فليحيا فن العطارة الرفيع! "أحب فن العطور أكثر من قطاع صناع العطور نفسه، كما هو اليوم، وعملي محصور في أن أستعيد روعة العطارة، بإتقانها وتقليدها، وبرؤية جديدة أيضاً، عصرية ومبتكرة. فعملاؤنا من أعمار وثقافات مختلفة، ويجمعهم أمران: الذائقة الحسَّاسة لكل جميل، والشغف الحقيقي بأريج العطور". إنها كلمات آن-ليز كريمونا، ابنة هنري كريمونا، مؤسس Maison of Henry Jacques للعطور.

متجر دار Henry Jacques في هونغ كونغ

"أثرت هذه العطور فيّ وفي حاسة الشم عندي تأثيراً حقيقياً"

في المطلق، حاسة الشم من أقوى الحواس الأخرى كلها. فمن منا لا يستعيد ذكريات، حلوة أو مرة، متى تناهى إلى أنفه شذى مألوف. لذا، يكون العطر أكسسواراً شخصياً جداً. تقول آن-ليز: "العطور تحتل ذكرياتي كلها، فقد نشأت إلى جانب زجاجة عطر، وترعرعت على أريجها، فصارت جزءاً من حياتي اليومية، بدأت أميل منذ وقت مبكر إلى عطور وروائح دون غيرها". تنبّهت كريمونا سريعاً إلى مسألة مهمة: يمكن العطر أن يكون مصدر راحة حقيقياً في الحياة. تذكر أن أول عطر حصلت عليه هديةً كان عطر الورد البلغاري الصافي. تروي: "قدمت والدتي زجاجة عطر هدية لكل من بناتها الثلاث. كنت ربما في العاشرة من عمري. كان عطر والدتي مرجعي في العطور، وكان أنثوياً جداً، فرنسياً ومتكلفاً، وصار جزءاً مهماً من حياتي. في الوقت نفسه، أنا متوسطية بكل فخر، أحب صيف المتوسط وبساطة الروائح التي تحيط به. اليوم، يروق لي هذا التباين بين البساطة والتطور، وأقدره تقديراً خاصاً، وهذا مرده بالتأكيد ذكريات طفولتي".

داخل متجر دار Henry Jacques في هونغ كونغ
داخل متجر دار Henry Jacques في هونغ كونغ
داخل متجر دار Henry Jacques في هونغ كونغ
... ويعد من أبرز المتاجر في المدينة الآسيوية

لدى آن-ليز عطورها المفضلة، منها ما انتخبته بنفسها ومنها ما تناهى إليها. تقول: "حبي الأول هو Janice، وصار الآن عطر آن-ليز المختار. أملك منه إصداراً خاصاً، دافئاً جداً، وفرنسياً جداً. وحبي الثاني هو Datcha، تعطّرت به والدتي فترة طويلة جداً، وأملك منه أيضاً إصداراً خاصاً، إلى جانب باقة أعشق جعلها خاصةً أكثر. في صغري، قدمت لي والدتي عطراً مركباً من الورود اسمه Rose Suprème. أحبه، وأحب التعطّر به وحده حيناً، وإضافته إلى عطور أخرى أحياناً. وفي شبابي، أثرت هذه العطور فيّ وفي حاسة الشم عندي تأثيراً حقيقياً، لهذا تبقى عزيزة على قلبي".

أحد عطور Henry Jacques

قبل عقد من الزمان، ما كانت دار Henry Jacques للعطور أكثر من ناد مغلق لعملاء من علية القوم، يتطلب إرضاء أذواقهم الصعبة إصدارات عطرية مركبة ومعقدة. وإذ يحتل تقليد العطور "المخصصة" قلب علامة Henry Jacques التجارية، توسع آن-ليز أفق مؤسستها بعطر Clic-Clac المبتكر: إنه أول عطر صلب، تقدمه آن-ليز كريمونا للرجال في علبة ذكورية تحظى ببراءة اختراع خاصة، في خطوة غير نمطية، متطورة تقنياً، يتردد صداها حاملاً رغبة علامة Henry Jacques التجارية في ترسيخ بصمتها في عالم الابتكار، ونقل فن العطارة إلى مستوى أعلى. وذروة الابتكار في أن تُبدع آن-ليز عطراً لرجل يملُك كل شيء.

وأن يتعطر هذا الرجل ليس أن ينتقي عطراً له فحسب. فهل من فنٍ خاص بطريقة التعطّر؟ ترتسم الثقة على مُحيَّا آن-ليز وهي تجيب: "حتماً. شخصياً، يشبه التعطّر بطبقة واحدة من العطر، أو بطبقات عديدة منه، ابتكار عمل فني غير مرئي. لدى Henry Jacques، الدقة تكمن في التفاصيل، أقصى التفاصيل. فالإبداع أمامنا في كل قرار نتخذه. وهذا الإبداع يشمل فن تعطير النفس، وهذا فن دقيق يضيع مع الأسف بمرور الزمن. يبدأ فن التعطّر باختيار العطر الملائم، وتُكمله الإيماءة… إنها جزء أساسي من العملية. فهذه الإيماءة تضيف على العطر نفسه سحراً يستحيل تحديده. العطر هو ما يحدد شخصيتنا وحضورنا، وهو الذاكرة التي تبقى بعد مغادرتنا. أحب فكرة أن أمضي تاركةً ورائي أثراً عطرياً إيمائياً فريداً لا يُنسَى. الجواب هو نعم؛ ثمة فن للتعطّر. في الواقع، Clic-Clac هو التعبير الأمثل عن هذا الفن".

عطر Clic-Clac الجديد من Henry Jacques

بعطرها الأحدث Clic-Clac، لم تُبدع دار Henry Jacques شيئاً فريداً وأداة مصقولة فحسب، إنما أحيت سحراً في حياتنا اليومية كنا قد فقدناه. يشكل Clic-Clac رفيقاً يمنح رجلَهُ سمات خصوصية: أناقة واتزاناً ولامبالاة. ولعطر Clic-Clac قصة ترويها آن-ليز بإحساس مرهف: "وجدت في أدراجنا تلك البلاسم الرائعة التي ابتكرناها تلبية لطلبات خاصة من عملاء مميزين. كانت مخبأةً هناك، وكانت تفاجئنا دائماً بجمالها وفرادتها. ومع تلك العطور الخمسين في مجموعة Les Classiques بفئتيها Les Essences وLes Brumes، ابتكرنا ‘أسلوب حياة’ حقيقياً، في طياته إمكانية ليكيّف المرء نفسه كما يشاء، وفق مزاجه ورغباته. لكن، ما كان ناقصاً فعلاً هو التنويع الذي يمكنه مرافقتنا أينما حللنا، ويمكنه منحنا الراحة في كل لحظة من لحظات اليوم، خصوصاً خلال سفرنا. هكذا وُلِدت فكرة العطر الصلب. شخصياً، أشعر أن العطور في حالتها الصلبة هي الحداثة الجديدة، وربما تكون عطر المستقبل. سهلة الحمل، صديقة للبيئة، مزاياها الكثيرة تخدمنا في حياتنا المعاصرة. كل العطور المركبة في دار Henry Jacques استثنائية، مكوناتها طبيعية تعزز جاذبيتها. تخيل مديرنا الفني كريستوف تولمر شيئاً يصلح لكل يوم، حسياً وثورياً، بالحجم المثالي. معاً، انتابنا شعورٌ باختراع أسلوب جديد. استغرقت الرحلة سنوات عديدة، تجاوزنا خلالها عقبات كثيرة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تلتقي فيها صناعة العطور بحرفية صنع الساعات السويسرية، فأتت النتيجة جميلة دقيقة رفيعة المستوى: Clic-Clac".

تتنفس عطور Henry Jacques أنفاس مؤسسها، هنري كريمونا، الرحالة الفضولي الذي روى شغفه الكبير بالعطور باستلهام ذكريات طفولته وأحلامه بأماكن بعيدة. وإذ وصل هنري إلى غراس في سبعينيات القرن العشرين، التقى بحِرَفي يصفه بأنه "واحد من آخر كبار خبراء العطور في فرنسا". في ذلك الوقت، كان ثمة 20 إلى 25 شخصاً فقط في العالم يُعتبَرون خبراء حقيقيين في العطور، كانوا يُحسنون استخدام معرفتهم بالمواد الطبيعية والمواد الخام لتركيب العطر المثالي. أثمر هذا اللقاء تأسيس هنري Maison of Henry Jacques في عام 1975، وهي علامة تجارية امتدت رحلتها نحو نصف قرن من الزمان، وبرزت مرجعاً في العطور المخصصة، وأسست أيضاً إرثاً عائلياً. ما زالت العطارة تُمارس بأسلوب حميم، فكل عطر حرفي يُركَّب بعناية في مختبر العلامة التجارية الواقع في غراس. تتذكر آن-ليز: "تأسست دار Henry Jacques في البداية بوصفها داراً مخصصة، معروفة بين الخبراء بخلاصات مصنوعة يدوياً، من مكونات طبيعية حصراً. أسس والدي هذه العلامة التجارية من خلال حبه السَّفر وبعدما التقى واحداً من أعظم الخبراء. وهو رغب دائماً في أن تصبح مؤسسته داراً لـ ‘التصميم الراقي’ للعطور، وأن تبقى كذلك، بشكل خفي.

قوارير لمواد أولية تصنع منها العطور
قوارير لمواد أولية تصنع منها العطور
قوارير لمواد أولية تصنع منها العطور
قوارير لمواد أولية تصنع منها العطور

حتى عام 2014، كانت دار Henry Jacques تعمل في الظل، فلا تنتج سوى مُزُج مخصصة للعملاء بحسب ما يطلبون. حين التحقت بالشركة، رغبتُ في أن يكون للعلامة التجارية مكانها في العالم الأوسع. أردت أن يشاركنا الجميع شغفنا، وأن يرى الجميع كيف يُصنَع كل عطر يدوياً، في مختبرنا ومحترفنا، وكيف نكسر القواعد في ما صار يُعدُّ اليوم طبيعياً في صناعة العطارة عموماً. من جهة، نتبع التقاليد ونحترمها، لكن من الجهة الأخرى، نعتبر أنفسنا معاصرين ورؤيويين. فكل جانب من جوانب عمليتنا الإبداعية متوافقٌ مع التقليد الفرنسي الخاص بالتميز والرفاه، من دون تنازل. هذه كانت رؤيتنا دائماً، وستبقى. فما نقوم به هو، برأينا، نوعٌ من الفن".

بالبراعة والحرفية هاتين، رسمت آن-ليز مسيرة دار والدها هنري نحو مستقبل زاهر. في الماضي، كانت الإصدارات الخاصة من العطور تثير ذكريات وعواطف شخصية في طالبها. وكان العميل يحصل حتى على شذى مصنوع خصيصاً له، في زجاجة صممت يدوياً له وحده: هو من يختار لونها وشكلها، وما زال هذا متاحاً. لكن، تقول آن-ليز: "حصل تحول كبير في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته بفضل العولمة وسلاسل التوزيع، فابتعدنا كثيراً عن إرثنا. بدأ العطر يُعامَل بصفته منتجاً كثيفاً قابلاً للتوزيع على نطاق واسع. اليوم، ثمة أثر معاكس، مع العودة المتزايدة إلى الأصالة؛ فالطلب أكبر من أي وقت مضى على العطارة الرفيعة المستوى. وعملاؤنا من أعمار وثقافات مختلفة، ويجمعهم أمران: الذائقة الحساسة لكل جميل، والشغف الحقيقي بأريج العطور. يمكننا القول إن دار Henry Jacques كانت رؤيوية، ولنا مكانتنا المهمة في هذه السوق، ولدينا مشاريع مستقبلية مثيرة للحماسة. سنفتتح أول متجر لنا في باريس، في البناء رقم 2 في جادة مونتانيي، في 2022. ستكون لنا حديقة خاصة هي الوحيدة في هذه الجادة، وهذا امتياز رائع لأي عطار. وقد بدأنا في بناء مختبر جديد في مصنع رائع للنبيذ بجنوب فرنسا، وفيه سنتمكن أخيراً من إيواء براعة دار Henry Jacques كلها وعرضها في مقر ملائم للإبداع. كما نواصل توسعنا في مجال البيع بالتجزئة في مدن مختارة، ما يسمح لمحبي العطور بزيارتنا في متاجرنا العديدة. أما المجموعات الجديدة فمفاجآت نخبئها لفترة لاحقة".

علبة من العطور المنسقة من إنتاج دار Henry Jacques

تُعَد Maison of Henry Jacques واحدة من دور العطور العائلية القليلة التي ازدهرت بالرغم من تمسكها بقيمها، بإنتاج مجموعة مميزة من العطور المنقطعة النظير، المرغوبة من علية القوم. وفي حين تعلم هنري فن الشم الخاص بـ ‘خبراء العطور’، تتعاون معه زوجته، إيفيت كريمونا، في المختبر مضيفة لمستها الختامية على العطور. وحرصت ابنتهما آن-ليز على السعي إلى تحقيق حياة مهنية مستقلة بابتكار مجموعات مختلفة للعطور، فأصابت نجاحاً وطورت ميلاً إلى التفكير الاستراتيجي. وبعد غياب 20 عاماً، عادت لتطلق العنان لشغفها بالعطور، مُوسّعةً آفاق دار Maison of Henry Jacques العائلية من دون أن تغير جوهرها. وهكذا، مزجت بين عالمين متناقضين: الصناعة الواسعة النطاق والحرفية الفاخرة. واليوم، آن-ليز رئيسة تنفيذية للدار، تتمثل رسالتها في استدامة إرث علامتها التجارية بتعميمها على شرائح أخرى في مجتمعات العالم. تقول: "ما يثير حماستي فعلاً هو أن يشاركنا الجميع في فن العطارة الرائع، في شكل التعبير المبدع الذي اختفى تقريباً في هذا القطاع. أستمتع أيضاً بأسلوب الحياة المحيط بالعطارة، وبالبراعة المتضمنة في الفنون الزخرفية، وبكل الحرفة الرائعة في ما نقوم به".

شارك برأيك

0 تعليقات