تجد الفنانة صوفي ويلسون متعةً في الشوائب. فحيث يرى البعض عيوباً، ترى هشاشةً وجمالاً آسِراً. ينطبق ذلك على أعمالها الخزفية غير المتناظرة التي تشبه اللوحات الفنية، كما ينسحب هذا الرأي على منزلها من الداخل. فقد فعل الزمن فعلته في التصميم الداخلي حيث أضفى السكن في المنزل على امتداد نحو نصف قرن ليونةً على كل ما تبقى من مظاهر الحدّية والقسوة. لا تكترث ويلسون للتناظر. تقول مشيرةً إلى الجدران المتموجة والأروقة المتزعزعة في منزل يعود إلى القرن السادس عشر، تتشارك العيش فيه مع أربعة من أولادها :"إن جبتم المنزل كله، فلن تعثروا على خطٍّ مستقيمٍ واحد".
يقع Manor House الذي اشترته ويلسون قبل ستة أعوام في بلدة كرولاند المنخفضة العلو في منطقة فنلاند في مقاطعة لينكولنشاير، وهذا مكانٌ معزول يشتهر بدير بُني هناك في القرون الوسطى، وبجسر نادر مؤلّف من ثلاثة خطوط، وبغياب أعمال الترميم ما يضفي عظمةً على المكان. بالرغم من جماله، لا ينمّ هذا المبنى، البسيط من الخارج والمصنوع من حجر مربع منحوت، عن العظمة الجورجية المتلاشية في داخله. وحدها واجهته الخلفية المصممة بأسلوب العمارة البالادية، والتي أضيفت إليه في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، تؤشّر إلى الطابع الفخم الذي كان يتميز به العقار المصنّف من الدرجة الثانية لناحية أهميته التاريخية والمعمارية، حين كانت أراضيه الزراعية تمتد على مساحة 4,000 أكر، وصولاً إلى دير كرولاند، لا بل أبعد منه.

حين قصدت ويلسون Manor House لأول مرة في رحلة استغرقت ساعتَين من منزلها السابق في شرق لندن، وبعدما وسّعت دائرة بحثها إثر جولات استكشفت فيها طوال أشهر منازل مختلفة لم تترك في نفسها أثراً، لفتتها على الفور طبقاتٌ من الحياة مختزنةٌ داخل جدرانه. تروي: "تكوّنَ لديّ شعورٌ حقيقي بولادات ووفيات حصلت هنا، وكذلك بلحظات ضحك وسجالات"، مضيفةً: "أردت أن أصبح جزءاً من ذلك الضجيج، الرائع والرهيب في آن. وليس ثمة ما يضاهي ذلك". لحسن حظ ويلسون، كان المالك السابق للمنزل حريصاً على بيع العقار لشخص يُدرك أن الحفاظ على الأمكنة لا يعني بالضرورة البحث عن الكمال المطلق. تعلّق ويلسون: "كان يبحث عن شارٍ يفهم أسطح المنزل، وليس شارياً ينظّفه ويحوّله إلى نزلٍ".
لم يكن تحديث المنزل وارداً على الإطلاق بالنسبة إليها، بالرغم من أنها واجهت بعض الحقائق الصعبة عند انتقالها إليه. المشكلة الأشد إلحاحاً كانت فيضان المياه في القبو الذي كان بحاجة إلى تصليحات بنيوية عاجلة. "كان المنزل يربض بصورة أساسية في بركة من المياه طوال مئة عام تقريباً"، بحسب ويلسون. تتواصل الجهود الجبّارة لجعل الداخل سليماً من الناحية البنيوية. ولا يزال عدد كبير من الغرف البالغ عددها 23 غرفة خارج الاستعمال، والإنارة في مساحات واسعة من المنزل خفيفة، ولو تمتعت بلمسة رومانسية (لم تصل الكهرباء بعد إلى غرف الخدم القديمة في الطابق الثالث). قليلة هي الغرف المجهّزة بنظام تدفئة مركزي، تُكمّله مدافئ توقد فيها ويلسون الحطب طوال النهار، في روتينٍ شاق إنما تأمّلي.


إذا وضعنا الجوانب العملية جانباً، هذا الطابع الذي يحافظ على نقاوة المكان، والذي يكاد يكون فوضوياً، هو الذي يضفي على المنزل سحراً خاصاً. ثمة طاولة لممارسة رياضة كرة الطاولة في الرواق المزيّن بالنقوش، وقد تحوّلت قاعة الرقص المهيبة إلى مخزنٍ متداعٍ لأثاثٍ قديم تبتاعه ويلسون. بعض أركان المنزل مهجور تماماً منذ قرون، وهذا يعني أن عناصرها المختلفة تحافظ على طبيعتها الأصلية، ابتداءً بالألواح الخشبية الجورجية التي تمتد من الأرضية إلى السقف، وانتهاءً بالصفوف البرّاقة للبلاط من سيراميك Minton الذي يعود إلى الحقبة الفيكتورية الأولى، رُصِفت به الأرض. تقول ويلسون عن هذا الاكتساح النادر واللافت للخصائص التاريخية الأصلية: "لم تكن الحمامات أو المطابخ قبيحة فلم نهدمها. هذه البلاد مليئةٌ بعقارات تتميّز بتصاميم عائدة إلى حقبات معيّنة، إنما يندر جداً العثور على عقار بقي على طبيعته الأولى". ترافق إهمال المكان مع الحفاظ على طبيعته، وهذا ما أضفى عليه طابعاً دراماتيكياً وشبه سينمائي. تتابع ويلسون: "وكأنك تعيش في موقعٍ للتصوير. فلكل غرفة طابعٌ مسرحيٌّ جداً".

تعمل ويلسون الآن على رسم معالم دورها الخاص في هذا التاريخ العريق الذي يتميز به منزلها. بُعيد انتقالها إليه، ومع التحاق أصغر أبنائها بالمدرسة، بدأت بإنشاء متجر في رواق المنزل المزيّن بالنقوش، حيث كانت تبيع المربّى المصنوع من الفواكه البرية، والصابون المصنوع يدوياً والمغلّف بالورق الرخامي، وحين لم توفّق في العثور على مصنّعين محليين، بدأت ببيع أعمالها الخزفية المصنوعة يدوياً، والتي استوحت أشكالها من كسر الآنية الفخارية والخزفية الإنكليزية التي عثرت عليها حين كانت تحفر في حديقة المنزل الشبيهة بالغابة المتشابكة (قبل التدرب في مجال الفنون الجميلة في إدنبره، كانت ويلسون تصنع خزفيات بمستوى احترافي متقدم). وبات المشروع يُعرَف باسم ،1690 في إشارة إلى السنة التي وجدتها ويلسون منقوشة في الزوايا وفوق المداخل في مختلف أرجاء المنزل.
كان الإقبال على المتجر في هذه الزاوية من منطقة فنلاند محدوداً، وهذا ليس مفاجئاً، لكنه تحوّل إلى دراسةٍ في العلامة التجارية وإلى موقع فاخر لأعمال ويلسون الحرَفية التي تصفها الفنانة بأنها "وسيمة لا جميلة إذا صح التعبير"، وتعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي. تتميز أعمالها @1690works بشاعريتها وجاذبيتها، وقد أطلقت مشروعاً تجارياً سريعاً، وأصبحت خزفياتها المصنوعة من فخار أبيض مزخرف ومن التراكوتا شغلها الشاغل. كان شارلي بورتر، مؤسس موقع TAT المتخصص بالتحف الأثرية وسرد الروايات، أول عميل ابتاع منتجاتها إلكترونياً. وبعد فترة وجيزة، طلبت الكاتبة كلوفر سترود طبقاً حُفِرت عليه عبارة "لكِ الحبّ والنور دائماً، شقيقتي العزيزة"، في رسالة موجّهة إلى شقيقتها الخزّافة إيمّا بريدجووتر.

تستخدم ويلسون، التي تضع في العادة طبقةً واحدة من الفخّار تُحرَق بالنار مرتَين، تقنية رومانية قديمة تُعرَف باسم sgraffito (أي مخدوش باللغة الإيطالية) أو الشَّق، من خلال حفر جملٍ واقتباسات على السطح الأبيض الرطب للكشف عن درجات اللون الأحمر تحته. تنطوي هذه الوسيلة على تحديات جمّة، وتتطلّب تفاعلاً فِطرياً مع المواد. تقول ويلسون عن صفوف السيراميك التي وضعتها كي تجفّ في الفرن في حجرة المؤن: "عليّ أن أعتني بها كأنها طفلٌ صغير".
بعض الأركان في المنزل مهجورٌ تماماً منذ مئات السنين
في أحد أطباقها المحفورة الأفضل مبيعاً، تستعير جملةً للشاعرة البريطانية-الهندية نيكيتا جيل: “أنا ذئبةٌ أكثر مني امرأة، وما زلت أتعلم كيف أتوقّف عن الاعتذار عن جموحي”. يكشف هذا الاقتباس الكثير عن شجاعة ويلسون. تُخصص لكل مشروع سجلاً من القصاصات يتضمن مراجع بصرية تشمل كل شيءٍ، ابتداءً بصناديق عاجية مرصّعة تعود إلى عصر النهضة، مروراً بأنماط الأثواب، وانتهاءً بطبعات لورا آشلي. تقول ويلسون عن الدقة الشديدة المعتمدة في كل ضربة فرشاة وكل عنصر زخرفي من زخارف زهرة اللوتس: "يتعلق الأمر بسرد الروايات". العامل الموحِّد لرؤيتها الانتقائية هو الألوان الغنيّة التي استمدتها مباشرةً من جدران منزلها المطليّة بخليط الكلس والماء. تقول ويلسون: "أريد أن تبدو كل قطعة في موقعها الملائم في هذه المساحة. لذلك طوّرت هذه اللوحة الشخصية جداً من درجات الألوان التي ترك الزمن أثره فيها".

"أعمل وحيدةً ولا أتردد في تجربة الأشياء الجديدة"
خلال الصيف الفائت، وجّهت أماندا بروكس دعوةً إلى ويلسون كي تشغل مساحةً في متجرها Cutter Brooks في كوتسوولدز. فصنعت ويلسون نسخةً عن متجرها الأصلي البسيط تصفها بأنها "المكان الذي يمكن أن تقصده مولي ويزلي للحصول على ما تحتاج إليه من أدوات أساسية"، وصممت مجموعة كاملة من الخزفيات المستلهَمة من آنية Imari الصينية، فأضفت بصمة من مشروعها 1690 على الفخار المطلي بالأبيض والأزرق الزاهي. تتألف هذه المجموعة من جِرار وأطباق، وقد أبصرت الفكرة النور من خلال رسمٍ بالألوان السائلة أنجزته ويلسون مع أولادها على مائدة الطعام في المطبخ الأوسط الحميم إنما الشبيه بالهوّة السحيقة، حيث تمضي العائلة الردح الأكبر من أوقاتها. تقول ويلسون عن هذا العمل الفني الذي ألهمها فاستنسخت "أسلوبه السريع والرذاذي" في تصاميم ثلاثية الأبعاد: "ذكّرني بالزوارق التي نراها في خلفية لوحةٍ لماتيس".
![]() | ![]() © مايكل سينكلير |
إنَّها تماماً العناصر التي تتميز بها المقاربة الأكاديمية التي تعتمدها ويلسون. يقترن كل تعاونٍ بإتقان تقنيةٍ جديدة. فقد ابتكرت لمتجر التصميم في 8 هولاند ستريت شكلاً شبيهاً بالخزف الصيني famille verte الذي يعود إلى حقبة سُلالة كينغ، فصنعت مصابيح من آنية فخارية مطلية بالريشة من القرن التاسع عشر، مع ظلال مستوحاة من قبعة الورقة الفيتنامية. وفي تعاونها مع ،The New Craftsmen أعادت إحياء علبة الملح التاريخية. هذه المستوعبات الخزفية المتينة والمزيّنة بالرسوم التصويرية متعرّجة تماماً كخطوط منزلها، وتكتمل بأغطية إنكليزية مصنوعة من الخشب الصلب، نُقِشت عليها عبارة: "هذا الفن عزيزٌ كما الملح".

تعتبر ويلسون أن لكل شكل من الأشكال الخزفية تحديات خاصة تفرض نفسها بقوة. وتأمل في أن تتقن، في عملها المقبل، التركيبة الخيميائية للأكسيدات، وتقنيات انتشار مادة الموكا، في محاكاةٍ للمواد القديمة التي كانت تُستخدَم قبل ظهور المواد الكيميائية الجاهزة. وهي أطلقت مؤخراً نسخة إلكترونية لمتجرها .@1690shop تقرّ الفنانة: "أعمل وحيدةً إلى حد ما. ولا أتردد في تجربة الأشياء، إنها المرأة اليوركشيرية المشاكسة بداخلي".
حلمها على المدى الطويل تركيب واجهة زجاجية ضخمة تطلّ على الحديقة في المطبخ الأوسط الذي يمكن تسميته أيضاً بمركز عملياتها، حيث تجلس وتبتكر تصاميمها. ويلسون سعيدة في الوقت الراهن، لأن أولادها يستطيعون الاستمتاع بالحياة الواقعية المتحررة التي عاشتها بنفسها خلال نشأتها في مقاطعة سكاربورو. هوايتهم المفضلة في الوقت الراهن هي صيد الأسماك، إضافةً إلى السباحة في النهر واستكشاف المجاري المائية اللامتناهية في الأراضي الرطبة. تقول: "ما زالوا يسمّونه ‘المنزل المتداعي’. لكنني أعتقد أنهم بدأوا يدركون أن منزلهم نادرٌ وجميل".