قبل الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، شعرت بأن شغفي بالتدريب نضب تماماً. فقد تلقيت تدريباً مكثفاً على الرقص مذ كنت طفلاً، وقد بلغت الآن سن السابعة والأربعين. أنتجت فيلماً وثائقياً بعنوان Extreme Combat: The Fighter and The Dancer (القتال المتطرف: المقاتل والراقص)، وقد سلط الفيلم الضوء على عالم الفنون القتالية المختلطة والرياضات العنيفة. كان ثمة شكل واحد من هذه الفنون قد جذبني حقاً، بسبب وجود نهج مفاهيمي ونفسي مهم جداً، كلعبة الشطرنج. كان ذلك رياضة الجيوجيتسو البرازيلية. قررت دراستها، وأصبحت مهووساً بها، فصارت شغفي خلال العام ونصف العام الماضيين، وهي ما أنفقت كل ما فاض لدي من وقت ومال عليه، إذ رأيت فيها منقذي العاطفي والنفسي والجسدي، حقاً.
بدأت الجيوجيتسو البرازيلية مع وصول أستاذ ياباني إلى البرازيل قبل نحو مئة عام، ثم طورها شقيقان برازيليان. كان يتمحور الهدف منها حول كيفية ألا نجعل هذا النموذج جميلاً فحسب، بل قابلاً للاستخدام في وضع عمليّ أيضاً. إنَّها شكل من أشكال المصارعة، تدور في أغلبها على الأرض، وتتعلق بالقدرة على تثبيت أجزاء من جسم الخصم. كنت محظوظاً بما فيه الكفاية لأتلقى دروساً فردية خلال فترة الإغلاق في محترف الرقص الخاص بي في حديقة منزلي. كان تعلم هذه الرياضة الجديدة مثيراً جداً. كثيراً ما أشير إلى ما أسميه "متعة الغرق"، وقوامه هذا الشعور بالوجود في المجهول المطلق، حين يكون المرء مبتدئاً تماماً. فكرت حقاً: "حسناً، أنا أجيد الرقص، لذا لا أستطيع أن أكون سيئاً في شكل آخر من أشكال الحركة". لكنني عديم الفائدة!
لدي أستاذان، لوكاس وتوم. لم أكن لأدعوهُما صديقَيَّ. أحبهما وأكرههما في آن، لأنني ما اعتدتُ تلقي النقد بهذه الطريقة اللاذعة. لوكاس، تحديداً، قاس للغاية، فهو لا يعرف المجاملة، أبداً...! أبكي أمام زوجتي بعد كل جلسة تدريب، قائلاً: "لم يقل كلمة واحدة! نظر إليَّ مشمئزاً!" لكنه يذكرني كثيراً بنفسي، فالمديح لا يخرج مني بسهولة، لذلك عندما يقدم مديحاً، تعرفون أنه ذو قيمة كبيرة. توم مختلف: لا يُجامل، لكنه مشجع للغاية. لطيف أن يتوفر الأسلوبان معاً. أحب أيضاً أنهما يعرفان بشكل غامض أنني راقص، لكنهما لا يعرفان أي نوع من الراقصين أنا. ثمة صوت دائم في رأسي يحدثني قائلاً: "يا الله! يتحدثان معي كأنني مبتدئ! لو يعرفان من أنا!".
تعني عبارة جيوجيتسو حرفياً "فن لطيف"، لكنني حين أصارع أحدهم، يكون فكري محصوراً في: "كيف يمكنني خلع كتفه؟ أو كسر مفاصل ركبته؟ أو إفقاده وعيه؟" (من طريق الخنق أساساً)، هذا بالرغم من أنكم "تنقرون" بالفعل لخصمكم لتعلنوا الاستسلام قبل الوصول إلى هذا الحد. إنها رياضة عنيفة كما تريدونها أن تكون. لكن لو درست فنون الدفاع عن النفس على المستوى البدني لما كان ذلك ليُرضيني. مع الجيوجيتسو البرازيلية، لا ضرورة أن تكون في المحترف، بل يمكنك أداء واجباتك المنزلية، ودراسة الحركات، وأن تدرك أين أخطأت. إنها كالرقص تماماً، وأعتقد أن هذا هو سبب انجذابي إليها. فقد جعلتني هذه الرياضة بالتأكيد راقصاً أفضل، أقوى وأكثر مرونة.
يكمن السر في الإيقاع وفهم نقاط الضغط وزوايا التدخل ضد الخصم"
أعتقد أنني انجذبت إليها أيضاً لأنها شكل من الأشكال القليلة المصممة لخوض قتال ضد خصم ضخم الجثة، وأنا ضئيل الجسم جداً. مدهشٌ كيف يتكرر تغلب الصغار من حملة الأحزمة السوداء على خصوم ضخام ورياضيين. كل السرّ في الإيقاع، وفهم نقاط الضغط، والزوايا. لذلك، إذا امتلكت المعرفة وكنت قادراً على استغلالها، فأنت من المتفوقين. بطبيعة الحال، للوزن والقوة دورهما: في مواجهة شخص أضخم مني، لا بد من العمل بجد أكبر. لكن المعرفة نفسها ستسمح لكم بالهرب. ربما ينتهي بكم الأمر مع بنّاء يزن 250 باونداً (113.4 كيلوغراماً)، بالرغم من محاولاتي الجادة لتجنب خوض هذه التجربة.
يتلقى أطفالي دروساً أيضاً في هذه الرياضة، وأنا أُلاعبهم. ابنتي في الثامنة من عمرها، وهي بارعة في ذلك. كادت تخنقني إلى درجة أنها أفقدتني الوعي. قلت لها: "كنت أنقر!"، فأجابتني: "حسناً، لم أسمعك يا أبي. يجب أن تتكلم بصوت أعلى".
توم هو "جي"، بالمناسبة، ما يعني أنه يرتدي الملابس التقليدية لفن الدفاع عن النفس، ولوكاس هو "غير جي". أنا أبحث باستمرار عن ملابس لطيفة ورائعة من النوعين. تقول زوجتي: "انظر يا عزيزي، أعلم أنك مهتم بالأمر، لكن الحصول على ثلاثة ألوان مختلفة من الـ ‘جي’ لن تجعلك مصارعاً أفضل". لكنها تعتقد أن ما أمرّ به هو أزمة منتصف عمر رائعة وجميلة، وأفضل كثيراً من شرائي سيارة مكشوفة بمقعدين فقط.