في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، نظّم متحف Design Museum في لندن معرضاً لساعاتٍ اختيرت من مجموعة خاصة لافتة، فكانت فرصة استثنائية لعشّاق الساعات أتاحت لهم إلقاء نظرة على ما وصفه أحد البائعين بالمزاد بأنه من أفضل خمس مجموعات في العالم. كانت لحظة مفعمة بالفخر بالنسبة إلى باتريك جِتريد، لأنها أتاحت له الفرصة كي يشارك جمهوراً أوسع شغفاً يتملّكه منذ 35 عاماً.
تكثر الساعات المميّزة في المجموعة وتتنوّع. هناك أولاً واحدة من أفضل التشكيلات بين نماذج Patek Philippe Calatrava التي أُنتِجت منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي وحتى القرن الحادي والعشرين. ولا بد من رؤية الساعات الخمس التي كانت تملكها عائلة غرايفز، والتي تسلّط الضوء على أذواق هاوي الجمع الكبير هنري غرايفز جونيور الذي تسلّم في عام 1933 ساعة الجيب الأكثر تعقيداً التي صُنِعت قبل عصر التصميم بالكمبيوتر. وبالرغم من أنّ من شبه المستحيل العثور على ساعة Patek Philippe Nautilus في السوق، تضمّنَ المعرض عدداً كبيراً منها، إلى جانب نماذج رائعة من ساعات قيّمة هي كنوزٌ فعلاً، مثل جميع إصدارات المجموعة Reference 2499، والمجموعة 1518، والمجموعة 130، وبعض الساعات ذات القرص المطلي بالمينا والتي يلقى اقتناؤها إقبالاً شديداً، ومنها ساعات "Lighthouse" و"Island" من خمسينيات القرن الماضي.

إذا زرتَ المعرض وتمكّنت من أن تشيح بنظرك عن الكنوز المعروضة، ننصحك بأن تبحث عن رجل فرنسي يرتدي بزّة أنيقة، ويصفف شعره بتأنٍّ شديد، لا بل حاول أن تقنعه بأن يصحبك في جولة في أرجاء المعرض. لكن، تأكَّد أولاً من أنك لست في عجلة من أمرك، فقد تمضي هنا ساعةً أو ساعتَين، فحين يبدأ جيوفروي أدير، المستشار المستقل المتخصص في مجال الساعات والبائع بالمزاد الذي ساعد جِتريد على تنظيم المعرض، في الحديث عن الساعات العتيقة الطراز، يصعب حمله على التوقّف. منذ بداية العام، أمضى الرجلان أشهراً في تفحّص مئات الساعات في المجموعة، والانتقاء من بينها، وصولاً إلى اختيار 160 ساعة لعرضها في متحف Design Museum.
![]() ساعة جيب من PATEK PHILIPPE تعود إلى عام 2013© تورفيول جاشاري | ![]() ساعة THE LIGHTHOUSE" 2481 REF" مطلية بالمينا من PATEK PHILIPPE© تورفيول جاشاري |
قضيتُ في وقتٍ سابقٍ من العام بضعة أيام مع جِتريد وأدير فيما كانا يعاينان الساعات معاينة أخيرة، ويصنعان مجسّماً لكل واحدة من خزائن العرض بهدف إبراز كل ساعة من الساعات بأفضل طريقة ممكنة. ولفتني كثيراً الرابط القوي بين الرجلَين، وهو رابط يكاد يصل إلى حد توارد الخواطر. ففي ضوء إلمامِهما الواسع بالساعات، يكتفيان، في حديثهما عنها، بذكر تسلسلٍ قصير من الأرقام والحروف، مثل "530R" (في إشارة إلى كرونوغراف نادر)، أو "Gobbi" (تاجر ساعات شهير في ميلانو)، لإيصال المعنى المقصود.
لم تبدأ العلاقة بين الرجلين بداية سعيدة. ينتمي أدير الخمسيني إلى الطبقة الأرستقراطية التي انبثقت من قطاع المزادات العلنية في فرنسا؛ فوالده وجدّه كانا بائعين بالمزاد في دار Drouot التاريخية في باريس، واقتصر تمرّده في مرحلة الصبا على القول إنه يريد بيع الساعات بدلاً من الأثاث القديم أو الآثار الفنية. وأمضى فترة تدريبٍ في دار Christie’s للمزادات العلنية قبل أن يبدأ العمل، في مطلع عشرينياته، لدى دار Antiquorum المتخصصة بالمزادات العلنية لبيع الساعات. في تلك المرحلة، دخل عميلٌ مستاء إلى مكتبه حاملاً ساعة Patek Philippe اشتراها بالمزاد العلني. وبما أن الساعة نموذج نادر مقاوِم للمياه، وضعها حول معصمه فيما كان يسبح، فتعطّلت وتجمّعت قطرات المياه تحت الزجاج، والسبب هو عدم إغلاق الساعة بإحكام بعد معاينتها قُبيل عرضها للبيع في المزاد العلني.
يتذكّر أدير مبتسماً: "يمكن أن يصبح باتريك مخيفاً جداً حين يُغضبه أمرٌ ما"، لكن جِتريد أُعجِب كثيراً بلطف أدير وسرعته ولباقته في معالجة المشكلة.
يروي جِتريد: "كان لا يزال في بداية مسيرته المهنية، لكنه أرسل الساعة لتصليحها ثم قام شخصياً بتسليمها إلي. لم أنسَ ذلك أبداً".

كان جِتريد أيضاً في بداية مسيرته في جمع الساعات. قبل لقائه أدير، كان ينزع إلى التصرف على طريقة الهواة، فيشتري الساعات مدفوعاً برغبة جامحة أو احتفاءً بأحداث كبرى في حياته – فقد اشترى ساعته المهمة الأولى، وهي من نوع Cartier Tank عُرِضت في متحف Design Museum، للاحتفال بفوز جواده في سباق Longchamp. لكن المحطة التي طبعت حياته كانت حين وقعت عيناه أول مرة على ساعة Patek Philippe 3970، وهي عبارة عن كرونوغراف مزوّد بخاصيَّة التقويم الدائم أُطلِق في عام 1985 واستمر تصنيعه عشرين عاماً. يعلّق ضاحكاً: "لا أعتقد أنهم كانوا راضين، لأنني سددت الدفعة الأولى ثم استغرقت ستة أشهر لتسديد باقي المبلغ".
ثم تعرّف إلى تييري ستِرن، رئيس شركة Patek Philippe وسليل العائلة المالِكة لهذه العلامة التجارية. يروي: "حدث ذلك في حفل كوكتيل في باريس. لم يكن أحدٌ يتكلم معه، فتقدّمت منه وعرّفته بنفسي ثم تجاذبنا أطراف الحديث، فأنا حين أتكلّم عن الساعات، أكون في نعيم". دعاه ستِرن لزيارة جنيف، فصار مدمناً على جمع الساعات. يقول: "ازداد اهتمامي بأمرَين: اكتساب المعرفة وكسب المال. فحين أجني مالاً، أستطيع شراء ساعات أكثر جمالاً وفرادة؛ فبدأت بتكوين مجموعة حقيقية".
![]() ساعة REF 2523J WORLD TIME من PATEK PHILIPPE© تورفيول جاشاري | ![]() ساعة REF 1518R MOONPHASE PERPETUAL CALENDAR مزوّدة بخاصيَّة التقويم الدائم من PATEK PHILIPPE تعود إلى عام 1948 تقريباً © تورفيول جاشاري |
سرعان ما بنى لنفسه أيضاً متحفاً صغيراً في الميناء الحر في سنغافورة. يقول بأسلوبٍ عملي قد يستخدمه الآخرون للحديث عن مطعم أو حانة قريبة وملائمة: "تتخذ إحدى شركاتنا من منطقة آسيا-المحيط الهادئ مقراً لها. لذلك اخترت سنغافورة". وإن كان المكان يبدو شبيهاً بعض الشيء بصالة العرض لدى Patek Philippe، فالسبب هو أنه استعان بالنجار نفسه لصناعة خزائن العرض. وليس باتريك جِتريد من نوع الأشخاص الذين يقومون بالأمور بطريقة مجتزأة. يقول جِتريد عن تعاونه مع أدير: "عملنا معاً في سنغافورة". يتذكّر صديقه الأمر جيداً، لا سيما اهتمامه بالتفاصيل. "أنشأ باتريك خزائن عرض جميلة لكل واحدة من العلامات التجارية: أولاً Patek Philippe، ثم قسم Rolex، وصانعي الساعات المستقلين"، كما يروي أدير.
معظم الساعات التي عُرِضت في متحف Design Museum هي من Patek Philippe، إنما هناك معرضٌ داخل المعرض ومحوره اثنان من المجالات الأكثر إثارة لاهتمام هواة الجمع: ساعات Rolex الرياضية المصنوعة من الفولاذ، وصنّاع الساعات المستقلون. يقول أدير: "اختار باتريك اسم OAK لمجموعته الفريدة التي تجمع بين الساعات العتيقة الطراز والحديثة، لأنها مجموعة قوية".
"ازداد اهتمامي بأمرَين: اكتساب المعرفة وكسب المال"
يقاطعه جِتريد: "لكن OAK هي بصورة أساسية الأحرف الأولى لعبارة One of A Kind (فريد من نوعه)". يهزّ شريكه رأسه موافقاً قبل أن يضيف: "هذه المجموعة التي كوّنها باتريك قائمة على الندرة والجودة وسجل الملْكية". يؤكّد جِتريد: "حالة الساعة أساسية. يجب أن تكون في حالة جيدة جداً، ويُفضَّل أن تكون ساعة جديدة من المخزون القديم. ثمة ساعات كثيرة لم أبتعْها لأنها متضررة أو خضعت للترميم أو لأنهم بالغوا في صقلها وتلميعها. هذا صعبٌ لأنني أرغب أحياناً في شراء ساعة قد تكون على قدر كبير من الأهمية، لكنني لا أُقدم على ذلك لأنها لا تستوفي المعايير التي أبحث عنها".

لكن الجانب العاطفي هو الذي يحفّزه بصورة أساسية لابتياع ساعات يريد جمعها. فهو يلتهم جميع الكتالوغات الجديدة الخاصة بالمزادات العلنية باللهفة نفسها التي نجدها لدى خبير طعام شره في مطعم حائز على ثلاث نجوم Michelin – وفي بعض الأحيان، يعجز جِتريد عن التحكم بشهيّته. يقول: "قليلة هي نماذج الساعات التي أحبّها كثيراً". ومنها ساعة 1579، وهي كرونوغراف مع قرصَين ثانويين أطلقتها دار Patek Philippe في عام 1943. يتابع: "حين ابتعتُ الساعة الفولاذية والساعة المصنوعة من البلاتينوم، حطّمتُ الأرقام القياسية العالمية من خلال هاتَين الساعتين. كانت لديّ رغبة شديدة في الحصول عليهما. لم أستطع أن أكبحَها، كان لا بد لي من اقتنائهما. اكتملت العائلة بعد إضافتهما إلى الساعات الأخرى في المجموعة، وهذا أمرٌ نادر للغاية أن تجتمع كل هذه الساعات في مجموعة واحدة".
مع تعمّق جِتريد في علوم الساعات، ازداد أيضاً شغفه بها. يُقرّ: "كنت أجمع اللوحات، لكن جمع الساعات منحني متعة ومشاعر لم أعرف مثيلاً لها". وهكذا، بدأ مع مرور الوقت بإرسال لوحات بريشة بيكاسو وبيكون إلى المزادات العلنية لاستبدالها بساعات مجهّزة بتقنيتي التقويم الدائم وHeures Universelles، وبكرونوغرافات وساعات ذات آليات شديدة التعقيد.
شكّل تنظيم المعرض خلال الجائحة تحدّياً لوجستياً. يقول جِتريد: "الأصعب كان انتقاء الساعات التي لن نعرضها. وفي نهاية المطاف، هناك الكثير من الساعات الجميلة التي استبعدناها من المعرض. لكنني أعتقد أن الخيارات جيدة"، مشبِّهاً الجلسات الماراتونية التي عقدها مع أدير عبر تطبيق Zoom بلعبة طاولة النرد: "حين تلعب طاولة النرد، تفكّر، وتهاجم، وتدافع عن نفسك، وهذه هي الطريقة التي اتّبعناها في عملية الاختيار. استغرق الأمر وقتاً طويلاً، لكنه ليس صعباً. ربما أكون مجنوناً، إنما لست عنيداً. حين يُقدّم لي سبباً وجيهاً، فلا مشكلة".
يستمتع أدير أيضاً بهذه العملية. يقول: "تروقني حماسته ويروقني سخاؤه، وكذلك رغبته في مشاركة شغفه مع الآخرين"، مضيفاً: "إنها المرة الأولى التي أسمع فيها عن فردٍ هاوٍ للجمع يعرض ساعاته في متحف كبير".
غالب الظن أن هذا التعاون سيستمر في المستقبل. يقول جِتريد: "يسهل العمل معه. عددٌ كبيرٌ ممن يعملون في هذا المجال لا يصارحونك بأفكارهم، وليسوا جديرين بالثقة. أما هو فصادقٌ وموضع ثقة". يتوقف قليلاً قبل أن يكيل لأدير مديحاً لا بد من أنه أقصى درجات الثناء التي يمكن أن تصدر عن هاوي جمع: "يتمتع بقدر كبير من الكاريزما، وهذا مفيدٌ لأنه يتفوّق عليّ في الطلاقة التي يتحدث بها عن مجموعتي".