مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

صحة

رجوع الشيخ إلى صباه

بينما يصارع أثرياء قطاع التكنولوجيا ليحصلوا على سر الخلود، لا يريد معظمنا إلا فرصة للعيش أعواماً قليلة إضافية. تتعمق تيفاني دارك في سوق إطالة "أمد الحياة"

© سيلينا بيريرا © سيلينا بيريرا

نادراً ما‭ ‬تكون‭ ‬ثقة‭ ‬النخبة‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون‭ ‬في‭ ‬نفسها‭ ‬موضع‭ ‬شك،‭ ‬لكن‭ ‬غرور‭ ‬طموحها‭ ‬الأخير،‭ ‬تحديداً،‭ ‬مثير‭ ‬للجدل. ‬فالبحثُ‭ ‬الحثيثُ‭ ‬جارٍ‭ ‬عمّا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬كأس‭ ‬الخيمياء‭ ‬المقدسة‭: ‬إنه‭ ‬الخلود‭.‬

ربما تدفع فكرة عيش ثيل وبيزوس إلى الأبد كثيرين منا إلى المسارعة إلى التقاعد المبكر. لكن، فيما يستكشف أثرياء قطاع التكنولوجيا أفكاراً جامحة كهندسة الأنسجة، وطباعة الأعضاء، وتجميد الموتى، والوعي الرقمي، وحتى فكرة "المتبرعين الشباب" التي تقشعر لها الأبدان، ثمة منتجات في السوق تزعم فعلياً أنها قادرة على إطالة أمد الحياة. وربما لا تتماشى في ذلك مع مزاعم بعض المغالين في مسألة التمديد هذه والذين يؤكدون بأن أول شخص يعيش إلى ألف عام هو حيٌ يُرزق بيننا الآن فعلاً، لكنها بدلاً من ذلك تقترب من طموح إيلون ماسك للعيش 100 عام بصحة وعافية.

لكلمة "عافية" هنا دلالة مهمة. في الحقيقة، ربما يكون عمرنا في ازدياد، لكن الواقع يظهر أن عافيتنا في تراجع. تبين البيانات الصحية الحكومية أنَّ الرجال يمضون 20 بالمئة من حياتهم الآن في حالٍ صحية سيئة، وهذه النسبة آخذة في الارتفاع. أما بالنسبة إلى النساء، فالنسبة أكبر، وتصل إلى 23 بالمئة. ما الفائدة من إطالة أمد الحياة إذا قضيتم أعواماً كثيرة على فراش المرض؟

يعود هذا التراجع النسبي إلى عوامل عديدة، لكن بحسب الدكتور بول كلايتون، الخبير في العلاج الدوائي السريري والزميل في معهد الغذاء والدماغ والسلوك، يمكن أن نعزو كثيراً منه إلى "التحول في التغذية". وصاغ هذه العبارة الخبير الاقتصادي الزراعي باري بوبكين في عام 1994، ضمن تقرير يربط بين ارتفاع الأمراض الانتكاسية الحديثة وتحول السكان إلى نظام غذائي فائق المعالجة. ويبدو أن أمراض القلب والسرطان والسكري تزيد أضعافاً مضاعفة بمجرد أن يبدأ الناس في تغذية أنفسهم "بالطريقة الحديثة". وفي ما يسمى المناطق الجغرافية الزرقاء، حيث أعمار السكان أعلى من المتوسط، يمثل اتباع نظام غذائي من الأطعمة الكاملة قاسماً مشتركاً. هذا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اتباع‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬نشط (أي بعيداً عن الشاشات).

 


 

حمام‭ ‬السباحة‭ ‬في‭ ‬،Auriens‭ ‬Chelsea‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬للسكن‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬متقدم © سيم‭ ‬كانيتي-كلارك
 

يقول كلايتون: "حين‭ ‬تفهمون الطرق التي يضر بها نمط الحياة والنظام الغذائي الحديثان بكم، يمكنكم تصميم ترياق دقيق". هذا الترياق، تحديداً، يمثّل الأدوات الدوائية الغذائية لمعالجة ما يسميه "الفرسان الأربعة لنهاية العالم الغذائي": الإجهاد الالتهابي المزمن، وسوء التغذية "باء" القائم على استنفاذ المغذيات معطوفاً على الإرهاق الجسدي، وعسر الهضم (شذوذ الميكروبيوم)، وعدم تطابق نسبة السكر في الدم (كميات كبيرة من الغلوكوز في مجرى الدم). يضيف كلايتون: "فمن خلال تحييد هذه الأسباب الرئيسية للمرض، يمكنكم تأجيل بدايات أمراض القلب أو الانتكاس العصبي لعقود، ويتضح أكثر متوسط العمر المتوقع".

من الشركات التي تقدم عرضاً دوائياً غذائياً كهذا هي علامة Lyma التجارية التي تسمّي نفسها "تكنولوجيا الصحة"، بواسطة متممات أساسها مكونات تزعم أنها محددة الجرعات على النحو الأمثل وتستند إلى تجارب سريرية حسنة المراجعة. تقول المؤسِّسة لوسي غوف: "نعمل مع العلم السليم. فنحو 90 بالمئة من صناعة المتممات الغذائية قوامها جرعات لا معنى لها من مكونات لا تتوافر بيولوجياً في غالب الأحيان". وبما أن المتممات مصممة لخفض آثار ما يسمى "الشيخوخة الالتهابية"، أو التهاب الخلايا الناجم عن الإجهاد وسوء النوم والنظام الغذائي الحديث، تطلب Lyma منكم ابتلاع أربعة أقراص يومياً، في مقابل 150£ شهرياً.

تقول غوف: "ذلك الكركم الذي تشربون مع الشاي في الصباح؟ انسوه. تحتاجون إلى 500 مليغرام من الكركمينويدات الناشطة في كل يوم ليشعر جسمكم بالفارق". المعجبون هم من نوع "عالي الأداء"، بمن فيهم عازف البيانو جيمس رودس، والمستكشف القطبي إنج سولهايم، ورئيس SoftBank التنفيذي مارسيلو كلوري. هذه الشركة تعد العملاء بالتركيز والهدوء والنوم الأفضل، ويزعم المعجبون‭ ‬بها إحساسهم بشعور هادئ بالقدرة. يقول كلوري: "أعمل بجد وأسافر كثيراً، وهي ساعدتني على مواصلة تحكمي بالأمور".

بالتحكم بصحتهم بأنفسهم، هناك Thriva. وما Thriva إلا تطبيق يتابع ميلكم إلى المرض من خلال اختبارات دم فصلية، وهو جزء من التحول الطليعي من الطب الاستجابي إلى الطب الوقائي. يقول المدير الطبي فيشال شاه: "مساعدة الناس على العيش حياة أطول وأجدى هي ما تخصصتُ في الطب من أجله. قبل ذلك، كنتم تذهبون إلى الطبيب العام، وتجرون فحص دم، فينظر في خمس صفحات من النتائج ويخبركم بالشيء الوحيد غير السليم. لكننا نريدكم أن تروا النتائج كلها، وأن تكتشفوا حالات ما قبل المرض قبل أن تظهر".

 

 



متممات ‭ ،‬Lymaابتداءً‭ ‬من 
149£ ‬شهرياً

 

 


بات بإمكان المستخدمين اختيار نتائجهم والخلط بينها، مع توافر خيارات بما في ذلك الكوليسترول والسكري ووظائف الكبد وأمراض القلب ومسائل الغدة الدرقية ومستويات الهورمونات المختلفة. إن النتائج قابلة للظهور في رسوم بيانية تُظهر المسار الصحي المتوقع، وليس وضعكم الحالي فحسب. وهكذا، ربما تكونون في "المنطقة الآمنة" من مرض السكري اليوم، لكن من دون تدخل، قد لا تكون هذه حالكم في غضون 10 أعوام.

بدأ هذا التطبيق يدخل دوائر معينة، إذ يقارن بعضهم في لندن الآن علامات السكري في اجتماعات مجالس الإدارة. ويستخدمه صاحب رأس المال الاستثماري أندرو وولفسون منذ عامين. يقول: "من دون شك، ساعدني على اتباع نمط حياة أكثر صحة. فالنتائج تأتي مع تقرير من طبيب عام والرسالة تبقى دائماً على حالها: اشرب كمية أقل من الكحول، وتناول لحوماً حمراء أقل. عندما أقلعت عن تناول الكحول خلال فترة الإغلاق، سجلت مؤشرات حياتي فجأة تحسناً كبيراً". مشاهدة والده يصارع الخرف على مدى السنوات الثماني الماضية من حياته أقنعت وولفسون بأن على رأس أولوياته عيش حياة ناشطة أطول فترة ممكنة. "إنها أداة مفيدة حقاً بالنسبة إلي. لا أحتاج إلى أن أكون إنساناً خارقاً، بل يجب أن أكون آمناً فحسب".
 

ربما يكون أمد حياتنا في ازدياد لكن الواقع يظهر أن عافيتنا في تراجع

 

يعدّ RoseBar برنامجاً جديداً من شأنه أن ينحاز إلى الإنسان الخارق أكثر منه إلى الإنسان الآمن. يعدكم بأنكم "بعد عام من الآن يمكنكم أن تكونوا أصغر سناً". إنه عبارة عن توليفة من العلم والروحانية والتدابير الوقائية. بالشراكة مع Orgenesis للتكنولوجيا البيولوجية، يقدم RoseBar كل الاختبارات التشخيصية القياسية ومؤشرات نمط الحياة والعناية الذاتية بالصحة (علاجات البلازما لإطالة العمر، ومستحضرات صيدلانية طبيعية "تتحدى الشيخوخة"، وعلاج نبضي بالحقل الكهرومغناطيسي، وتلاعب بالخلايا الجذعية)، موصولة بخوارزميات تشخيصية متقدمة تتميز بها أداته القائمة على التكنولوجيا البيولوجية. ويصبح كل عضو جزءاً من تجربة سريرية مستمرة تعد بأن تكون رائدة في فهمنا كيفية "إلغاء التقدم بالعمر". وكما يقول فيريد كابلان، رئيس Orgenesis التنفيذي: "يمكنكم التقدم في السنّ لكن هذا لا يعني أن خلاياكم يجب أن تشيخ". كذلك، يضم الفريق آنا بيورستام التي ترأس برامج العافية في مجموعة Six Senses للضيافة الفاخرة. إنها تستعين بالروحانيات: "يشكل فهمكم ذاتكم الداخلية وشعوركم بالهدف مفتاح تمديد الحياة"، كما تعتقد. انطلق البرنامج في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني (‬نوفمبر)‭ ‬الماضي في Six Senses Ibiza، المزود بغرفة للضغط العالي، والعلاج بالتبريد ومنشآت للمركبات الذكية، إضافة إلى الكثير من الروحانيين لإرشادكم في طريقكم.

يقول مؤسِّس البيئة الحسية جوناثان ليترسدورف: "طول العمر لا يحتاج إلى أن يقدمه أطباء في معاطف بيضاء". وفي مقابل 14,260€ سنوياً، يحصل المشتركون على تشخيصات متقدمة لطول العمر واستشارات طبية للكشف عن وتيرة تقدمهم في العمر، وصولاً إلى توصيات العناية الذاتية بالصحة كلها، إضافة إلى دعوات شهرية للتدريب ومستحضرات صيدلانية طبيعية يومية وخبرة في الذكاء الاصطناعي. هل أنتم مستعدون لإعادة الزمن إلى الوراء؟ وفق المدير الطبي الدكتور تامسين لويس، تكون ثلاثينياتنا المبكرة أفضل وقت للتسجيل في هذا البرنامج، ففي هذا الوقت يبدأ جسمكم رحلته نحو الشيخوخة.

 


 

عدة‭ ‬الاختبار‭ ‬من THRIVA
 


إن كنتم قد ابتعدتم طويلاً عن ثلاثينياتكم، ويبدو احتمال العيش ألف عام فرصةً ضائعة، هناك Auriens. إنه مفهوم
 للسكن ونمط الحياة في عمر متقدم افتُتِح للتو في تشيلسي في لندن، ووضع برنامجاً يعد بالعافية الفردية، مركزاً على اللياقة البدنية. صمم هذه البرامج 
Kyros Project، وهو مشروع يضم مجموعة من الخبراء فيها مدير العافية في KX Gyms غيديون ريمفري، ويميز البرامجَ تركيزٌ عميق على علم العضلات والشيخوخة. مثلاً، رُكِّب ضوء أحمر للتعديل البيولوجي الضوئي في سقف استوديو التمرين. يقول ريمفري، الذي يعمل فعلياً في الاستوديو التالي في قسم الذكاء الاصطناعي في Google: "يُشجَّع المقيمون هنا على فعل الكثير من الأشياء بينما يشعرون بالدفء". ويخضع كل مقيم لاختبارات تشخيصية شخصية ثم برامج لنمط الحياة والنظام الغذائي وممارسة الرياضة مصممة لمكافحة السبب الجذري، بدلاً من الأعراض. ويفصّل ريمفري مثال سيدة في الخامسة والستين من عمرها تعاني إصابة سيئة في الكتف ولم تتمكن من لعب التنس، بالرغم من تناولها مضادات التهاب ومسكنات ألم وصفها طبيبها. "اختبرنا عضلاتها وخلاياها، وأجرينا فحصاً للدم على مستوى أعمق للبحث في الهورمونات والالتهاب ونقص المغذيات، ثم بنينا برنامج إعادة تأهيل شمل العمل مع أخصائي العلاج الطبيعي أندي موراي". وهي الآن تمارس رياضة كرة المضرب أربع مرات في الأسبوع، كما يقول، "ولا تشرب الجن والتونيك".

 

"‬يمكنكم التقدم في السنّ لكن هذا لا يعني أن خلاياكم يجب أن تشيخ‪ "‬


لن يوصلكم أي من هذه المنهجيات لإحياء عيد ميلادكم الألف، وربما هذا أفضل لكم إذا نظرنا في البعد الأخلاقي، كما يقول مارتن وولف، كبير المعلقين الاقتصاديين في Financial Times: "لا يحق لأحد أن يشغل الكوكب إلى الأبد". مع ذلك، تشير هذه الابتكارات إلى أن معالم مشهد تمديد الحياة تتضح، بفضل فهم أعمق للنظام الغذائي ونمط الحياة، والتحول نحو الصحة الوقائية واستخدام الخوارزميات الموجهة بالذكاء الاصطناعي. يقول ريمفري: "الأمر يتعلق بالتقارب وإمكانية الوصول. فهناك أشياء يمكن الجميع القيام بها الآن، ولا سيما بعد الجائحة، مثل إعادة ضبط دورات غذائكم ونومكم إلى التزامن مع إيقاع قلوبكم. عندما يحل الظلام، يجب ألا تستهلكوا طعاماً أكثر من اللازم. يبدو الأمر غير مؤذ لكن يسوء تنظيم هورموناتكم الخاصة بالشبع على نطاق واسع، فلا تشعرون بالشبع أبداً. أشياء مثل أكل التوت، وممارسة‭ ‬الرياضة، والصيام، واستخدام تطبيق للنوم على هاتفكم – يمكن أن تسبب هذه الأشياء نتائج ضخمة".

لذلك‭ ‬ربما‭ ‬سنحيل‭ ‬إلى‭ ‬ثيل‭ ‬والتقنيين‭ ‬مسألة‭ ‬استخراج‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية‭ ‬من‭ ‬متبرعين‭ ‬شبان‭ ‬وتطوير‭ ‬وعي‭ ‬رقمي‭ ‬أبدي.‭ ‬فالأقل‭ ‬تعقيداً 
هو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة،‭ ‬وممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬بشكل
جيد،‭ ‬ومراقبة‭ ‬الدم. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬إيبيزا،‭ ‬يُفضل‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأقراص‭ ‬الخارقة‭.‬

شارك برأيك

0 تعليقات