حين استقبلني إردِم مورالي أوغلو في مكتبه، كان يرتدي كنزةً من الموهير الأخضر الغامق فوق سروال رمادي من قماش الفلانيل. ومكتبهُ هذا كان مستودعاً في شرق لندن ملأه بأشياء غريبة ولافتة. فعلى الرفوف تصطفّ الكتب وصولاً إلى السقف، وثمة أعمال فنية موضّبةٌ في أوراق تغليف ومركونةٌ على الأرض. وتسترق لوحةٌ للرسّام البريطاني كيث فوغان النظر من خلف منحوتة في الزاوية. وفيما يتكلم المصمم، يحرّك يديه فتبدوان طافيتَين نحو الأعلى، وكأنه يشتغل بقطعة قماش أو يرسم شيئاً في الهواء. كانت رفقته ممتعة جداً.
حين التقينا، كان قد نظّم لتوّه، في المتحف البريطاني، عرضاً لمجموعة SS22 التي لقيت استحساناً لدى النقاد، وذلك احتفالاً بالذكرى السنوية الخامسة عشرة لتأسيس علامته التجارية. كان أول عرض يُقيمه المصمم حضورياً منذ تفشي الجائحة، وقد تزامن صدفةً مع ذكرى وفاة والدته؛ وعندما بلغ العرض أوجه، ارتسم قوس قزح في السماء البريطانية المتقلّبة، فبدت لحظةً ساحرةً تتوافق والمناسبة.

.jpg.webp)
لكن موضوع هذه السطور هو مجموعته الرجالية الأولى التي أطلقها في تشرين الثاني (نوفمبر). يقول مورالي أوغلو: "أردت دائماً تصميم ملابس للرجال، لكنني ما علمتُ أبداً متى سأتحلى بما يكفي من شجاعة لأقدِمَ على هذه الخطوة، وها أنا أخوض غمارها الآن". بدأ المصمم يرى مزيداً من الرجال في المحترف يرتدون ملابس نسائية من تصميمه، فقرر ابتكار سردية خاصة بالرجال؛ استقدم عارض أزياء لتجربة بعض القطع في المجموعة النسائية، بحثاً عن "مؤشرات" إلى الشكل الذي قد يبدو عليه رجل Erdem، أو الرجل "الإردِمي". يروي: "نشأتُ مع شقيقةٍ توأم، ولم يكن للجندر أي أهمية تقريباً. في الصور التي التُقطت لنا حين كنا صغيرَين، نظهر مرتديَين الكنزة نفسها". يقول إن الرجل لم يُخلَق ليشعُرَ بأنه زوج المرأة أو نقيضها، إنما هو "امتدادٌ لها ولعالمها". يُضيف: "تطوّرت المرأةُ، فكان الرجل".
في البداية، ابتكر مورالي أوغلو 36 إطلالةً قُدِّمت في جلسة تصوير أُنجِزت على وقع رياح عاتية هبّت على شاطئ وست ويترينغ. تفاصيلها: ياقاتٌ عند مستوى الكتف تُعرَف بياقات القارب وتعانق عظم الترقوة، أوشحةٌ تُلفُّ حول الخصر، ياقاتٌ ملفوفة وطويلة قليلاً يندسّ الذقن خلفها، قبعاتٌ تشبه الدلاء المقلوبة، طيّات سترة متقوّسة عند منطقة الصدر، كنزاتٌ زغبية (ومنها الكنزة التي كان يرتديها). في هذه التصاميم مزاجٌ أنيق يصنع علامة Erdem التجارية، مع نفحة من الغرابة، وشيء من إطلالة الأشخاص الذين يبدون غارقين في عالم الكتب، ولمسة من التهوّر. يقول المصمم إنه أراد أن تكون مجموعته الرجالية الأولى بمنزلة "مخطّط" لأفكار ستُبصر النور قريباً في مجال الملابس الرجالية: "تنطبع هذه المجموعة بالأسلوب اليومي البسيط، وبالخفّة في الخياطة".
استلهم مورالي أوغلو تصاميمه من حياة ديريك جارمان (تتكدس مؤلفاته على مكتب المصمم)، و"أسلوبه في الملبسِ المستوحى من اللباس الموحّد"، بما في ذلك الـ "أوفرول" وغيره من الملابس العملية. يقول وفي يده نسخةٌ من كتاب Modern Nature (الطبيعة الحديثة) الذي ضمّنه جارمان، المخرج والفنان، يومياته في عامي 1989 و1990، والذي قرأه مورالي أوغلو في فترة الحجر المنزلي: "كان جارمان مميزاً جداً. غرّد خارج سربه، وابتكر شيئاً ربما لم يُحسِن الناسُ تقديره جيداً. تتميز أعماله بلمسة جميلة جداً". يتابع: "ترك الكتاب أثراً عميقاً في نفسي. ففي تلك المرحلة انتقل [جارمان] للإقامة في دانجِنِس، متأملاً في الماضي، مفكّرا في المستقبل".
استلهم أيضاً من فن باتريك بروكتور الذي كان ينتمي إلى أوساط ديفيد هوكني، والذي اشترى مورالي أوغلو أعماله. يقول: "كان أسلوبه في الرسم استثنائياً. لطالما اعتبرت أن الألوان المائية التي يستخدمها، لا سيما تجسيده الرجال، تتَّسم بالجمال، وبالطراوة إلى حدّ كبير. كانت لديه لوحة ألوان مدهشة".
أبصر مورالي أوغلو النور في مونريال وانتقل إلى لندن في عام 2000 للدراسة في Royal College of Art في لندن (عمل في المكتبة في أثناء متابعته تحصيله العلمي). أطلق علامته التجارية في عام 2005؛ ويستذكر تأثيرات تركيا (مسقط رأس والده) وإنكلترا (مسقط رأس والدته) فيها. عُرِضت تصاميمه في متحف Metropolitan Museum في نيويورك، وصمّم ملابس لمجموعة من السيدات البارزات، من مادونا ("كان ذلك رائعاً!") مروراً بدوقة كامبريدج وآنا وينتور (صمم لها زياً خاصاً برياضة كرة المضرب!) ووصولاً إلى جيسي باكلي.
يقول إنه يستمد عشقه الألوان من طفولته، حين كان يرتدي الأصفر – لونه المفضّل – من رأسه حتى أخمص قدميه. وهو عاش طفولته في كوخ من الجص الأصفر ومحاط بالأزهار (طبعة الأزهار هي من الموتيفات التي تتميز بها تصاميم علامة Erdem التجارية). اللمسة الصفراء حاضرة على الدوام تقريباً في مجموعاته؛ وتتضمن مجموعته الرجالية الأولى سترة صوفية رائعة باللون الأصفر الكناري.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
تستند مجموعات مورالي أوغلو غالباً إلى سردية معيّنة، فهو ينبهرُ بالأشخاص غير العاديين وبحكاياتهم. يروي: "كانت والدتي قارئةً نَهِمَة، وكانت تحبّ الفنون، وتصحبُنا إلى المتاحف وصالات العرض. كانت تبدي اهتماماً شديداً بالأشياء الجميلة". استوحى مجموعاته السابقة من الشخصية الثورية الإيطالية تينا مودوتي أو من المصوّرة الفوتوغرافية سيسيل بيتون، في حين نسجت مجموعته SS22 سحرها من حكايات إديث سيتويل وأوتولين موريل، اللتين نشرت دار Bloomsbury كتبهما.
تضمّن عرض SS22 أيضاً ستة تصاميم رجالية، ولعل مورالي أوغلو أراد أن يقدّم من خلالها لمحة عن نظرته إلى الرجل "الإردِمي" وموقعه في عالم الملابس النسائية مع تطورها. من هذه التصاميم بزّة مؤلّفة من سروال قصير من الساتان المتغضّن مع طيات عريضة للسترة في منطقة الصدر، وتطريزات إنكليزية، وطبعة نباتية بأسلوب toile de Jouy تُزيّن القميص والسروال المتطابق معها. يقول: "ينطوي هذا التصميم على طابع فوضوي بعض الشيء، إنما مع لمسة من الترتيب والرصانة أيضاً"، مضيفاً: "فكّرنا كثيراً في الطريقة التي تجعل الرجل يشعر تماماً بأنه جزء من هذه المجموعة [النسائية]، وليس دخيلاً عليها". ولإنجاز العرض، عمل مورالي أوغلو، كما في الأعوام الثلاثة الماضية، مع مصمم الإطلالات إبراهيم كمارا المقيم في لندن، والذي يتعاون أيضاً مع فرجيل أبلوه لدى دار Louis Vuitton، وكذلك مع علامات تجارية صاعدة مثل Maximilian. يقول المصمم عن الشراكة مع كمارا: "رائعٌ أن تجدَ شخصاً يمكنك أن تُراقصَهُ".
أنيقة مع نفحة من الغرابة ولمسة من التهور"
يُسجَّل للمصمم بقاءُ علامته التجارية مستقلة، وهذا ليس بالإنجاز البسيط في حقبة تطغى عليها تجمعات الشركات الكبرى في عالم الموضة. يعلّق: "أعتز كثيراً بهذا الأمر. لا أفكّر فيه كثيراً، لكنني أدركه جيداً". أُنجِز نصف المجموعة تقريباً في المملكة المتحدة، بالرغم من أن التحديات الأخيرة التي طرحها خروجها من الاتحاد الأوروبي، أو ما يُعرَف بـ "بركسيت"، تسببت بتفاقم التعقيدات التي تعترض عمله. يشير المصمم أيضاً إلى أنه "يكره الهدر"، لذلك يعمد، حيثما أمكن، إلى استخدام الأقمشة من جديد في إطار مقاربة تتّسم بالمسؤولية في التعاطي مع عمله في مجال التصميم.
سألته، في ضوء القائمة الطويلة من السيدات اللامعات اللواتي صمَّم لهن أزياءهن، إن كان ثمة رجال بارزون يرغب في رؤيتهم يرتدون من تصاميمه أجاب: "سأتحمّس لرؤية رجال في الشارع يرتدون ثياباً من هذه المجموعة. إنه الإطراء الأروع". يتوقف قليلاً قبل أن يُضيف: "إذا رأيتُ أحدَهم يرتدي ملابس من تصميمي، سأثني عليه، لكنني لن أخبرَهُ أبداً بأنني أنا مُصمِّمُها".