في عقدين صرفهما رامي العلي مصمماً، ارتدت نجمات عالميات كثيرات أزياءً حملت توقيعه، منهن أيشواريا راي وبيونسيه وشانيل إيمان وإيفا لونغوريا وهيلين ميرِّن وجنيفر لوبيز وغيرهن، جمع فيها ثقافة دمشق وأنوار نيويورك ورقي باريس ورصانة لندن، ومزج فيها سمة العراقة بروح العصر، فتألّقن وهن سائرات على السجادة الحمراء في حفلات توزيع جوائز الأوسكار، وغيرها من مناسبات هي محط أنظار العالم.
يحتفي العلي بمرور عقدين على تأسيس الدار التي تحمل اسمه، مطلقاً مجموعة White (أبيض) الجديدة لأثواب الزفاف الجاهزة، تتويجاً لقصّة بدأت مع ظهور بوادر الاهتمام بالموضة لديه حين كان بعدُ طفلاً صغيراً، وبفضل تغيير شكَّل منعطفاً في رسم مستقبله. يتذكر العلي: "أول مرة شاهدتُ فيها أمي تستعد لاستقبال ضيوفٍ في منزلنا، رأيتها قد خلعت ثيابها العادية لترتدي ثوباً جميلاً فيروزي اللون، ما زال مطبوعاً في ذاكرتي، وبلحظة غيرت إطلالتها في الثوب أجواء المنزل. كانت تقف منتصبة القامة تنضح ثقةً بالنفس، فوقعتُ فعلاً تحت تأثير اللحظة، وما زلت". حينها، أدركَ أن الرسم قدره... وإذا به يرسم الملابس ولا شيء غير الملابس. كانت والدته تأخذ ما يرسمه إلى خيّاط في سوريا لينفذ تصاميمه. وكانت بداية المسيرة.
" الثقافات والأشخاص هم مصادر وحيي الحقيقية"
بدأ عشقُ العلي المولود في سوريا والمستقر في دبي الجماليات المرهفة في سنٍّ مبكرة، ودفعه اهتمامه بالنسيج الفاخر وبخطوط التصميم إلى دراسة الفنون البصرية في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. صقل مهاراته هناك، وسرعان ما برزت موهبته الحقيقية، إذ أثار إعجاب أساتذته بتقديمه عرضاً مميزاً من مواد المنهج الأساسية. تخرّج في عام ،1995 وخطا خطوته الأولى فوراً في عالم الموضة في بيروت ودبي، حيث عمل مع رواد تصميم الأزياء مثل Roberto Cavalli قبل أن يؤسس علامته التجارية الخاصة Rami Al-Ali Couture في عام .2001

سرعان ما بدأت تصاميمه تحتل صفحات مجلات الموضة مثل Elle وVogue وHarper’s Bazaar. واستقطب انتباه علامات تجارية مثل Swarovski التي اختارته للمشاركة في كتاب Unbridaled (عروس غير تقليدية)، نشرته تكريماً لمصممي الأزياء المخضرمين جيورجيو أرماني وفيفيان وِستوود وجون غاليانو وسواهم. فقد ظهر للجميع مصمم أزياء لا يخشى الكشف عن نفسه، ولا الدفاع عن أفكاره وآرائه، كقوله: "تستطيع المرأة أن تتميز بأسلوب رائع حين تُحسن معرفة شخصيتها. الجوهر أن تجد في الموضة ما يُلائم شخصيتها، وأن تحافظ على فرادة أسلوبها". ويحدِّد ثلاث قطع لا بدّ من وجودها في خزانة ملابس كل امرأة: "ثوبٌ أسود لفترة العصر، أو للسهرات شرط اختيار الأسلوب الملائم والأكسسوارات المتناسقة؛ وتنورة داكنة، زرقاء أو رمادية أو سوداء، تصل إلى مستوى الركبة، ترتديها إلى العمل أو تنسّقها مع قميص ملائم لترتديهما في السهرات أو المناسبات؛ وقميص أبيض يُلائم مختلف أنواع الملابس، ترتديه صباحاً أو مساءً".

في مرحلة لاحقة، تعاونت الدار مع عدد من الفنانين كالمعمار فيكتور أودزِنيجا ومصممة المجوهرات نادين قانصو، وعملاق الموضة الراقية الدولي ،Charles & Keith وشركة Royal Jet للطيران الخاص، وعلامات Bulgari وCartier وVan Cleef & Arpels وMessika التجارية الفاخرة في عالم المجوهرات.
شكّلت الطفرة التي عرفتها دبي في عامي 2005 و2006 منطلقاً للمصمم كي ينقل محترفه إلى جميرا، واتخذ أيضاً قرار تنظيم عروض في أوروبا، فكانت انطلاقته في روما في عام 2009 حيث أبدت شخصيات مؤثِّرة في عالم الموضة وصحافة الموضة والشارون والنخبة الدولية إعجابها الشديد بتصاميمه المنفَّذة بأسلوب رائع مع حفاظه على إرثه السوري. مثّلت هذه الفلسفة الناجحة في التصميم منطلقاً إضافياً للتوجه نحو باريس، عاصمة الـ "هوت كوتور" في العالم، حيث قدّم باكورة عروضه في أسبوع الـ "هوت كوتور" في عام.2012
.jpg.webp)
فترة مطلع الثمانينيات لا تُعجب العلي. يقول: "في رأيي، إنها الحقبة الأشد قبحاً في تاريخ الموضة. فالتشوّهات في أحجام الملابس قياساً بشكل الجسم قضت على إحساس الأنوثة الذي نعشقه في الأزياء، بدءاً من لبادات الأكتاف الكبيرة والكعب القصير، مروراً بالسترة الفضفاضة والقميص الواسع والأثواب والتنانير الغريبة الطول، وصولاً إلى الماكياج المفرط في استعمال الألوان وتسريحات الشعر التي تبدو متصنّعة جداً، فهذه كلها تطمس الشخصية الحقيقية للمرأة".
الوحي حاضرٌ دائماً في تصاميمه، وعن مصادر هذا الوحي يقول: "الناس". فهو دائم الاهتمام بالناس وعلاقاتهم وقصصهم وطريقة عيشهم، يُحب مراقبة التناقضات في الثقافات حيث يعثر دائماً على قواسم مشتركة. حين يسافر، وبعيداً من زيارة المتاحف والمعالم السياحية وصالات العرض الفنية، يستمتع بالجلوس في مقهى في منطقة مزدحمة ومشاهدة الناس في بلدان جديدة. يضيف: "أراقب حركات أجسادهم، وأتعلم كيف يتفاعلون، وكيف يشترون ويأكلون ويشربون. لطالما سحرني الرابط بين الثقافات والأشخاص، فهذه الثقافات وهؤلاء الأشخاص هم مصادر وحيي الحقيقية". لذا يصف أسلوبه الخاص بأنه "جسر بين الثقافات". يقول: "أحببت دائماً مزيج التناقضات القوية بين قوة التقليد الحِرَفي العريق الذي يُعرَف به العرب، وبساطة الأشكال والتركيبات في الغرب، ويتجلى التناقض أيضاً في خفّة النسيج الذي يترافق مع قَصّة معقدة جداً، وتبايُن ألوانٍ تتآلف جيداً بالرغم من تنافرها. الآن، أعمل على تصميم أشكال هندسية بأنسجة ثورية أروّضها لابتكار تصاميم أنثوية مرهفة. إنه تحدٍّ كبير أهتم بتجاوزه".

في ذهنه، يحدد العلي مواصفات المرأة التي يصمم لها أزياءه. يقول: "أحب أن أصمم الملابس لِنساء يتميّزن بشخصيات قوية، ونساء يعرفن أنفسهن حقّ المعرفة، ونساء يتحلّين بالثقة بالنفس والنّضج في التفكير، ونساء يفهمن التصميم والفنون، ونساء يهوين جمع الأزياء فلا يكتفين بالشراء، ونساء يتعاملن مع الموضة بوصفها أداة تواصل، لا واجهة خارجية فحسب. فهؤلاء يُحسنَّ التعبير عن أنفسهن، وإبراز شخصيّاتهن من خلال إطلالاتهن، وليس بالكلام وحده".
"أصمّم الملابس لِنساء يتميّزن بشخصيات قوية، ونساء يعرفن أنفسهن حقّ المعرفة"
الموسيقى جزء أساسي في حياة العلي. يقول: "تستهويني المقطوعات والصوتيات والأغنيات الشرق أوسطية القديمة. بغض النظر عن لغة الأغنية، أحب الإمكانات الصوتية التي يُظهرها كبار الفنانين في موسيقاهم". مؤخراً، ألهمته الموسيقى التركية القديمة، وموسيقى أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته، وكانت تتضمن نفحةً من أنغام التانغو والسالسا، وقد طبعت النزعة الرائجة في تلك المرحلة. يقول: "كان ثمة نوع من الوحدة في الموسيقى والفنون في تلك الحقبة. الموسيقى تسحر الروح، وهي أحد مصادر إلهامي".

العلي انتقائي جداً، حتى في مآدبه العامرة. فقائمة ضيوفه ليست عشوائية. يقول: "أحب دعوة من يجيدون النقاش". أما قائمة الطعام، فهو يؤلفها بنفسه، كما يحضّر الأطباق بنفسه. يقول: "إنها هواية اكتشفتها أخيراً في أيام الحجر الأخيرة بسبب الجائحة. اكتشفت أنني من عشّاق المطبخ في الخفاء، ولو لم أمتهن تصميم الأزياء، لكنتُ طاهياً، من دون تردد. فأنا نشأت في أسرةٍ تعبّر عن حبها للآخرين بإطعامهم. والدتي طاهية ماهرة، وكان منزلنا يعبق دائماً بروائح الطعام الشهيّة، ويمتلئ بمدعوّين يستمتعون بالتحلق حول المائدة وتذوّق ما طهته أمي".
نجح العلي في الحفاظ على علامته التجارية. ومتحدياً التحولات التي فرضتها الجائحة على قطاع الموضة، أطلق مجموعة White من فساتين جاهزة للسهرات والأعراس، التي تتميز بتصاميم تضع عنصر الاستمرارية في رأس أولوياتها، مع تجنّب إنتاج كميات كبيرة. يقول: "كانت التحديات كثيرة في العامَين المنصرمين، وكذلك كانت المكافآت من خلال تحقيق إنجازات كبيرة جداً. احتفلنا للتو بمرور عشرين عاماً على تأسيس العلامة التجارية، وكان لنا تعاونٌ مع شركاء مرموقين مثل إكسبو ،2020 وأطلقنا مجموعة White لفساتين الأعراس الجاهزة. ولقيت مجموعة فساتين السهرة الجاهزة استحساناً واسعاً خصوصاً أنها أُطلِقت في خضم الجائحة. الإنجازات كثيرة، لذا كانت الفترة الماضية مرهقة وحافلة بالمحطات، وننوي الآن التركيز على ما تحقق والبناء عليه بالاهتمام والجهد اللازمين".

في عام ،2020 قرر العلي عدم تصميم أي مجموعة جديدة، داعماً بذلك الجهود المبذولة لتعزيز الاستدامة في المستقبل بالحد من الأثر البيئي للعلامة التجارية، في خضم أزمة الوباء العالمية. يقول: "أعتقد أن قطاع الأزياء سيعود، في جوانبه المختلفة، إلى طبيعته. فالنساء ما زلن يرغبن في ارتداء أثواب أنيقة، وفي الظهور بإطلالات جميلة، وما زلنا نرغب في رؤيتهنّ أنيقات وجميلات. أشك في أن يتغيّر ذلك، لكنني أعتقد أن كثيرين صاروا، في العامَين الماضيين، أشدّ حذراً في إنفاقهم، فباتوا يتجنبون الإفراط في الاستهلاك، وبرأيي، هذا التغيّر في السلوك الاستهلاكي سيدوم طويلاً".