يكتب الطاهي توماس سترايكر في منشور على حسابه في :Instagram "يخيب أملكم دائماً بالبطاطا المقلية عندما تحصلون عليها من خلال خدمة توصيل الطعام". في أحد مساءات الأحد الباردة، أجد نفسي أطهو الرقائق في المنزل وفق برنامج سترايكر التعليمي المتوافر عبر الإنترنت .وخلال الفيديو الذي تبلغ مدته 30 ثانية، يعلمني الطاهي الثلاثيني المستقر في لندن، مرتدياً قميصاً رياضياً فضفاضاً من ،Nike ثلاثة دروس. للحصول على رقائق مقلية مقرمشة وغنية، فإن أغريا هي أفضل أنواع البطاطا؛ يجب غمرها بالماء في صينية خاصة بالرقائق وتبريدها؛ وصنع رقائق منزلية ثلاثية القلي جديرة بتقديمها في مطعم مسألة بالغة السهولة.

إنها نظرة إلى الطهو تغيّر الحياة جذرياً: هذا أمر يوافق عليه، من دون أي شك، أكثر من 100 ألف شخص شاهدوا الفيديو، بمن فيهم الممثلة جودي كومر التي استمتعت به كثيراً فمنحته إعجاباً. لكن، ربما يكون مستغرباً أن يعلمنا سترايكر، الذي تلقى تدريباً كلاسيكياً والذي اكتسب خبرته الأولى في The Ledbury الحائز على نجمة Michelin وكان رئيس الطهاة في Casa Cruz في نوتينغ هيل في لندن، كيف نصنع رقاقة هشة مثالية بدلاً من خفق ثمرة شمندر لتُرغي أو خفق بيض سمك القد. إنه لا يفعل ذلك بكتاب للطبخ، إنما مجاناً على .Instagram
"تعلموا بأسهل الطرق كيفية إعداد الطعام الذي تودون تناوله حقاً"
يمثل سترايكر جزءاً من موجة جديدة من طهاة شباب يخرجون من مطبخهم ويصبحون نجوماً على تماس مع عملائهم من خلال قنواتهم الاجتماعية الخاصة. يعرضون وصفات يسهل هضمها في أشكال تقتصر على لقمة واحدة، ويميلون أكثر إلى ارتداء الأحذية الرياضية، أو القمصان الرياضية، أو القمصان البسيطة، والتزين بالقبعات والمجوهرات أكثر من ميلهم إلى ارتداء المئزر الأبيض المنشّى. في جوّ عفوي وبمرح سهل، يُقنعنا هؤلاء الطغاة بإشعال الموقد، فيُنشئون بالتالي مجتمعاً صغيراً جديداً من إخوة المطبخ. وبالطبع، تتابعهم نساء كثيرات، وتعرض طاهيات مثل روزي ماكين (معروفة باسم "ملكة الباستا") نهجاً متواضعاً بشكل مماثل. لكن موقف هذا الصنف الجديد من الخبازين وثقافتهم يميلان بشدة نحو الشبان.
![]() |
![]() |
عجلت الجائحة بالتحول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، عندما أغلق قطاع الضيافة أبوابه ونالت البطالة من الطهاة. نشر طهاة كثيرون برامج تعليمية لملء الوقت. وشارك فريدريك بيلي براهي من Atelier September في كوبنهاغن وصفات لصنع غرانولا العسل وزيت الزيتون والفانيليا، يقدمها في مقهاه. بالنسبة إلى آخرين، دفعتهم الجائحة باتجاه طريقة عمل جديدة تماماً. ترك وايت روشن، الذي عمل سابقاً في Brat و Scully و Kerridge بلندن، المطبخ وهو يعلّم الآن متابعيه في Instagram طريقة طهو الذرة المشوية بالمايونيز البولندي أو سلطات نودل السوبا. ويبشر جوني كولينز من Light Bar الجديد في شورديتش والطاهي جوليوس روبرتس ومقره دورست بفوائد الخضار المزروعة منزلياً؛ يقول كولينز إن طهو ما تزرعه عمل "تأملي". وفي الوقت نفسه، يعرض النيويوركيان البالغان العشرينيات من العمر، روز تراوري، خريج Le Cordon Bleu وعارض موسمي لدى ،Nikeوبيرس أبيرناثي، منتج فيديوهات تحول إلى طاه، وصفات "للجمع" بين الرقائق والصلصات. ولدى أبيرناثي، صاحب تصفيفة Bob الذي يرتدي نظارة، بنطلون جينز بأسلوب التسعينيات طرز عليه شعار "لا تفوتوا الصلصة!".


تعد قابلية الربط عاملاً رئيسياً. يقول سترايكر، متحدثاً عبر تطبيق Zoom من مطبخه، موقع فيديوهاته كلها: "إنه الطعام الذي تودّون تناوله حقاً". وبعدما استبدل بقبعة الطاهي البيضاء الخاصة به قبعة بحار، يكسب جزءاً كبيراً من ماله الآن من شراكات مع علامات تجارية مختلفة ومن عمله الموقَّت في المطاعم. يضيف: "الوصول إلى ذيل سرطان البحر ليس سهلاً تماماً. في معظم الوقت، أطهو أي شيء سأتناوله على الغداء". تقول جورجيا ويلان، الثلاثينية العاملة في مجال الإعلان والتي تتابع سترايكر وتطبخ بانتظام طبق الجبن والفلفل الذي يحضره، إن سهولة أطباقه وأسعارها المعقولة هما سر جاذبيتها: "يقول المرء لنفسه، ‘حسناً، المكونات موجودة بالفعل في الخزانة’". وتجد في هاتف الـ iPhoneوسيلة أسهل من كتاب طبخ.

متابعو معظم هؤلاء الطهاة شبوا في أوائل القرن العشرين ويتمتعون بذهنيات متشابهة، يستخدمون الوصفات ويشاهدون النقل المباشر لمناسبات الطهو. فقد بيعت البطاقات الخاصة لاستحواذ سترايكر ثلاثة أيام على مطعم الأطباق الصغيرة Top Cuvée في تشرين الأول )أكتوبر) الماضي خلال ثماني دقائق، في حين أن عدداً كبيراً من متابعي شوتا ناكاجيما البالغ عددهم 80 ألفاً احتشدوا خلال إعادة افتتاح ،Taku وهو مطعمه لأطباق الدجاج المقلي اليابانية في سياتل، خلال أيار (مايو) الماضي. ويستخدم روشن تقنيات الإعلان عبر وسائل التواصل لبيع البطاقات الخاصة بمطاعمه الموقَّتة من خلال ،Instagram إذ رعى حشداً من مرتدي الملابس من Supreme يصفهم بأنهم "شباب، وعلى الموضة". في الوقت ذاته، يجذب الطاهي الكندي ماتي ماتيسون، الذي يُقَال إنه أول الإخوة الطهاة، الحشود حين يُقيم مطعماً موقَّتاً في تورونتو.
![]() |
![]() |
أصبح بعض هذه المطاعم علامات تجارية بحد ذاتها، حتى باع روشن وماتيسون قمصاناً رياضية .(£25) ويسمح ذلك بمزيد من اللهو والتنوع في طهوهما. ويعرض تراوري، الذي طها أخيراً أمام الكاميرا لصالح ،Louis Vuittonوصفات لكل شيء من سلطات البندورة إلى هريسة الجمبري الحارة، في حين يجرب روشن وضع وجبة الذرة بطعم البصل المخلل من Monster Munch على المحار، فيصف هذا المزيج بكلمتي "خل مقرمش".
صارت منصة Instagram سيرة ذاتية مرئية للطاهي. يقول روشن: "يسألني من لم يتناولوا طعامي من قبل أن أتعاون معهم". فقد حولت هذه المنصة المسار المهني للطاهي، الذي يترقى تقليدياً إلى رئيس طهاة قبل حصوله على صفقة لفتح مطعم وكتابة كتاب للطبخ والظهور على شاشة التلفاز، إلى شيء أشد مرونة وأكثر تنوعاً. يقول سترايكر:" في الماضي، كان الطهاة يُعرَفون بمطاعمهم، أما اليوم فنُعرَف بأنفسنا". ويقول روشن إن ذلك يُضفي صفة ديمقراطية على عالم الطعام. "لقد تنبهت المطاعم إلى أن الطعام قد يكون ممتعاً... فهي تعرف أنني سأضع طبقاً مختلفاً على المائدة".

الآن، حتى الهواة يحولون القلي إلى مهن جديدة مزدهرة. دخل ويل هيوز، المعروف باسم وات ويلي كوك، عالم الطهو في أواخر عام ،2019 رافعاً شعار "وصفات المذاق لا وصفات الإرهاق". وهذا المدير السابق لعمليات ما بعد الإنتاج البالغ من العمر 25 عاماً نشر في البداية مقطعاً هزلياً له وهو يصنع مخفوق الحليب من بسكويت البوربون لإضحاك أصحابه. يقول. "كان الأمر مقززاً". لكن نهجه التصويري - تُوضَع صورته المتحركة فوق الصواني بعد تصويره على خلفية خضراء ويُضاف صوت الراوي المتحدث بسخرية باهتة – نجح وصار سائداً. يتابعه الآن 180 ألف متابع، حتى أنَّه أطلق مجموعته من السكاكين. لا يتجاوز زمن كلٍّ من مقاطعه المصورة دقيقتين، وهو يصورها في منزله مستعيناً بهاتفه iPhone، لكن التوليف يستغرق ثلاث إلى أربع ساعات: بخطوطها الهزلية ومزاجها الخفيف السوريالي، تذكر المقاطع الجاهزة ببرنامج !ZZZap التلفزيوني البريطاني المخصص للأطفال في التسعينيات.
|
![]() |
أثارت تطبيقات تجريبية للفيديو مثل TikTok مزيداً من الشهية لتصوير المقاطع القصيرة الخفيفة. يقول هيوز: "لم أدرس الطهو، لذلك كان هدفي التسلية لا أكثر". إلا أن مجتمعه الصغير من سكان المدينة الشباب يحتشدون لالتهام النقانق والهمبرغر التي يعدها في مختلف أرجاء العاصمة.
لقد حولت المنصة المسار المهني للطاهي
ثمة أيضاً سوق مزدهرة لنوادي الهواة. بدأت Bad Boy Pizza Society نادياً للتذوق لكنها تصحبُ منذئذ محبي المعجنات في رحلات ميدانية إلى إيطاليا، وقد افتتحت مطاعم في لندن؛ وهي تبيع أوشحة مزخرفة بالشعار "Bad Boy 4 Life"
(£25). في الوقت نفسه، تكرس The Bistro Boys نفسها لـ "تمجيد الشراهة... من الملاعق الدهنية إلى الملاعق الفضية"، وفق جاكوب هوروبين، وهو مهندس قطارات يدير المجموعة إلى جانب مؤسسها جاكوب كارن. "لقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي ثقافة محبي الطعام منصةً". يقول كارن، العامل في التلحيم ومشجع كرة القدم، إن الطعام "يوحد الناس كما الفريق الرياضي". وفي تعهد مماثل بالولاء، ابتكر الثنائي قمصاناً رياضية وحقائب (ابتداءً من (£15 لنشاطهما المسمى "رشفات الأحد" – وهو نشاط ترفده غالونات النبيذ الطبيعي مرحاً.

يتابع المعجبون بالطهاة والمطاعم ومحبّو الطعام بعضهم بعضاً الآن على ،Instagram ويحولون تقديرهم الطعام إلى مناسبات واقعية. يقول روشن، الذي يتعاون مع هيوز: "نوشك أن نشهد مشهداً جديداً".
يبدو هذا الانصهار كأنه عشاء عفوي بين الأصدقاء أكثر منه بين أشخاص يتولون مناصب عليا في المؤسسة – وهذا نوع ممَّا يحصل بعد انتهاء حفلة في حانة يكون الجميع مدعوين إليها. يقول روشن: "الطعام وInstagram مصممان للمشاركة". عرفنا ذلك... وتناولناه!