مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تصوير فوتوغرافي

وكالة Magnum: تحفة التصوير

في عالمٍ بات فيه الجميع مصوّرين فوتوغرافيين، تُعيد وكالة التصوير الذائعة الصيت النظر في أجندتها. وليست دار العرض إلا نقطة البداية، كما تقول ألكسندرا مارشال

(من‭ ‬اليسار) ‬هولزهير،‭ ‬نايلار،‭ ‬آرثر،‭ ‬هيوز،‭ ‬وماكوي‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬عرض‭ ‬Magnum‭ ‬في‭ ‬باريس (من‭ ‬اليسار) ‬هولزهير،‭ ‬نايلار،‭ ‬آرثر،‭ ‬هيوز،‭ ‬وماكوي‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬عرض‭ ‬Magnum‭ ‬في‭ ‬باريس

تلقى جمعيات الفنانين رواجاً كبيراً راهناً في أوساط صنّاع المحتوى من أبناء الجيل الجديد. فيكفي أن تبحثوا في Google عن "Hype House" أو "influencer dorms" لتكتشفوا ذلك بأنفسكم. مع ذلك، لم يتمكن عددٌ كبيرٌ من الشركات الفنيّة التي يملكها صنّاع المحتوى من النجاح في اختبار الأجيال. بالرغم من نُبل أهداف معظم هذه النماذج التي تقوم على العضوية وتقاسم الأرباح، فقد ظهرت ثم اختفت سريعاً. يبدو أنَّ الديمقراطية والفن لا يتعايشان جيداً. (والدليل تجربة حركة Fluxus الفنية).

تُعتبر Magnum استثناءً لافتاً في هذا المجال. فهذه وكالةٌ للتصوير الفوتوغرافي مستقلةٌ أسّسها المصوّرون روبرت كابا وهنري كارتييه-بريسّون وجورج رودجر وديفيد سيمور في عام 1947. بدأت الوكالة مسيرتها وسيلةً لمجموعة مختارة ذاتياً من نخبة المصورين الصحافيين، أرادوا أن يدعم بعضهم بعضاً في خضم المشقات التي عرفتها سوق الإعلام بعد الحرب، ثم تطوّرت لتكون شركةً عالميةً تكتب فصلاً جديداً في التصوير باعتماد أجندةٍ أكثر انفتاحاً على الخارج. ويشمل ذلك افتتاح دار عرضٍ جديدة في باريس تتعامل مباشرةً مع المستهلكين، وتتطلع إلى احتلال حيّزٍ أوسع في السوق المربحة للصور الفوتوغرافية الملائمة لهواة الجمع.



شارع‭ ‬إيست‭ ‬100‭ ‬ستريت،‭ ‬نيويورك،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬،1966‭ ‬بعدسة‭ ‬بروس‭ ‬ديفيدسون

تُنفَّذُ الاستراتيجية الشاملة التي تعتمدها Magnum تحت إشراف كايتلين هيوز التي تولّت منصب الرئيسة التنفيذية في أيلول (سبتمبر) 2019، ومعها المصوّرة أوليفيا آرثر، رئيسة Magnum التي تُدير، ومعها الأعضاء الذين يملكون الحق في التصويت، دفّة الشركة. أما أجندة دار العرض فتُشرف عليها مديرة المعارض العالمية أندريا هولزهير، ومديرة دار عرض باريس سامانتا ماكوي. وبالرغم من أن الرجالَ أكثريةٌ بين العاملين لدى Magnum، لا بدّ من الإشارة إلى أن أغلبية المناصب التنفيذية في الشركة، وكانت فترةً طويلة حكراً على مصوّرين مخضرمين عابسين يرتدون سترات واقية، باتت الآن في عهدة العنصر النسائي.

تبدّلت الأزمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أُعيد فتح حدود الدول التي دمّرتها تلك الحرب، ونال المصوّرون حريةً مستجِدّةً أتاحت لهم الطواف في العالم، وأفادوا من وسائل طباعة الصور التي كانت تحقق انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. اليوم، يواجهُ عددٌ كبيرٌ من الصحف والمجلات، وكانت تمثل في الماضي العميل الأهم لمصوّري Magnum، انهياراً مالياً يطالُ القطاع كلّه. وبات الجميع من دون استثناء يملكون آلة تصوير جيدة، فيلتقطون الصور وينشرونها مجاناً في مواقع التواصل الاجتماعي. وصار صعباً اليوم الحصول على صورٍ حصرية. تقول هيوز، الآتية إلى Magnum من شركة .Halios, Ltd الاستشارية (عملت قبل ذلك لدى McCann Erickson و Boston Consulting Group، وفي الإعلام الجديد لدى BBC (هيئة الإذاعة البريطانية) – وعليكم شكرها، إلى جانب آخرين، على خدمة iPlayer – وهي مديرة غير تنفيذية في نادي Juventus لكرة القدم): "أدفع لمحامي الشركة بدلَ أتعابٍ عن ساعة العمل أكثر مما يتقاضاه المصوّرون عن عمل يومَين لإنجاز مهمة تحريرية".



من‭ ‬اليسار: ‬مديرة‭ ‬غاليري ‭ ‬Magnum‬سامانتا‭ ‬ماكوي،‭ ‬مصممة‭ ‬الديكور‭ ‬الداخلي‭ ‬فيونا‭ ‬نايلور،‭ ‬الرئيسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لدى‭ ‬،Magnum‭ ‬Photos‭ ‬كايتلين‭ ‬هيوز،‭ ‬مديرة‭ ‬المعارض‭ ‬العالمية‭ ‬أندريا‭ ‬هولزهير،‭ ‬والرئيسة‭ ‬أوليفيا‭ ‬آرثر

إذا كان دخول المزيد من الأشخاص إلى هذا المضمار يرفعُ منسوبَ المنافسة أمام المصوّرين المحترفين، فهو يُساهم أيضاً في استقطاب اهتمام أكبر بالتصوير، وفي زيادة الإلمام بالمجال البصري. في هذا الصدد، شهد عالم التصوير الفوتوغرافي خارج ميدان الصحافة "توسُّعاً كبيراً خلال العقد الأخير، ابتداءً من المهرجانات التي تُقام في كل مكان، وصولاً إلى سوق الكتب"، كما تقول أوليفيا آرثر. تُضيف سامانتا ماكوي: "إنها سوقٌ متاحةٌ بسهولة، وتسمح لنا بالعمل مع هواة جمع جُدُد. ثمة إمكانات هائلة". ومثلما تتصدر مجلتا Life وTime المشهد في مجال التصوير الصحافي، فإن الجهات التي تُنفق مبالغ طائلة مقابل الحصول على الصور في هذه السوق تضمّ مؤسساتٍ مثل دار عرض National Portrait Gallery في لندن؛ ومركز Centre Pompidou في باريس؛ ومصرف Deutsche Bank؛ ومجموعة Pinault Collection، إضافةً إلى هواة جمع أفراد. ربما تبدّلت وجهة التركيز، في بعض السياقات، وتحوّلت من جمع الأخبار بناءً على تكليف مسبق بمهمة صحافية إلى التقاط صورٍ جميلة، لكن حتى التصوير غير الصحافي يبقى وسيلةً تتناغمُ مع الواقع. تقول آرثر عن الميزة التي تمنح وكالة Magnum فرادتها اليوم: "إنه البحث عن القصّة الأعمق خلف الصورة الجميلة؛ إنه شغفُ رواية قصّة من خلال صورة". لكنها تشكو وجود "غيتو في عالم التصوير"، حيث المستهلكون الأشدّ حماسةً هم في معظم الأحيان زملاء مصوّرون. تعلّق آرثر: "حين نذهب إلى هذه المهرجانات"، مثل Les Rencontres d’Arles أو Photo London أو Paris Photo، "نكون جميعنا مطّلعين على أعمال بعضنا بعضاً، ونتبادل شراء الكتب، ونشارك في نقاشات يُجريها زملاؤنا. لكن، في مرحلة معيّنة، انغلقنا كثيراً على أنفسنا،
وكان علينا أن ننفتح على العالم الخارجي. أنا حريصةٌ على توسيع دائرة جمهورنا".



هارلم،‭ ‬نيويورك‭ ‬سيتي،‭ ‬2013،‭ ‬من‭ ‬سلسلة ‭ ‬125th & Lexington‬شارع‭ ‬125‭ ‬ولكسينغتون‭) ‬بعدسة‭ ‬خليق‭ ‬الله) 


‬High Heels (كعبٌ‭ ‬عال)‭‭1974 ‬‬، بعدسة‭ ‬سوزان‭ ‬ميزلاس
 

"‬شهد عالم التصوير الفوتوغرافي توسّعاً كبيراً خلال العقد الأخير‪" ‬

 

وكالة Magnum تضمّ 42 شخصاً كاملي العضوية، تُعرَض أعمالهم عالمياً، ويملكون الحق في التصويت على المرشحين الجُدُد للعضوية، إضافةً إلى أربعة شركاء و13 مرشحاً (صوّت الأعضاء الحاليون على قبولهم؛ يحتاج كلٌّ منهم إلى أربعة أعوام على الأقل ليكون عضواً كامل العضوية). وحين تنضمُّ إلى Magnum، تصير عضواً فيها مدى الحياة، وهذا يعني أنه إضافةً إلى الأعمال الجديدة، تملك الوكالة أعمالاً لمصوّرين راحلين يُمكن أن تدرّ لها أرباحاً جزيلةً بترخيصها وبيعها، مثل الصور الفوتوغرافية بعدستَي بورت غلين وروبرت كابا. ولطالما كان للوكالة حضورُها في معارض الصور الفوتوغرافية، إلى جانب منصة للتجارة الإلكترونية يسهل دخولها، والأكثر رواجاً بين أنشطتها هو فاعلية "Square Print Sale" التي تُقام سنوياً منذ ثمانية أعوام، وتُباع خلالها طبعات بمقاس 6 إنشات × 6 إنشات لصور فوتوغرافية ممهورة بالختم الرسمي الخاص بإرث المصوّر، أو موقَّعة من المصوّر نفسه، مقابل £100 فقط للصورة الواحدة. لكن، بما أن للوكالة أكثر من ستة ملايين مُتابع على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنها أن تبذل جهوداً أكبر لاستقطاب غير الملمّين بمجال التصوير.

العملُ جارٍ لاستكشاف فرصٍ جديدة لإقامة شراكات في ميادين مختلفة، مثل التعاون مع موسيقيين أو مع طُهاة. وسيُقام المزيد من المعارض الرقمية، مع تشديد التركيز على كل ما يتّصل بتنظيم المعارض. لكن، واضحٌ أنه لا بدّ أيضاً من وجود صالة عرضٍ تقليدية أفضل حالاً من الصالة الحالية، تصفُها هيوز بأنّها "مكانٌ يُمكننا فتحُ أبوابه ودعوة الناس إلى الدخول، فيشعرون تواً أنهم موضع ترحيب، وأنهم يستطيعون فيه التواصل مباشرةً معنا". وهنا يأتي دور باريس.

كان العنوان السابق لوكالة Magnum، في شارع صغير قبالة مدافن مونمارتر في الدائرة 18، مجرّد مكتبٍ يفتح أبوابه من حينٍ إلى آخر لإقامة المعارض. أما المساحة الجديدة في الدائرة 11 (بمحاذاة دور العرض البراقة في حي ماريه، لكنها أكثر فوضى)، فتقع في واحدة من الباحات المرصوفة بالحصى التي تُعرَف بها باريس، ولها نافذة كبيرة تكشف عمّا يجري في داخل المحترف. شاركت فيونا نايلور، المهندسة الداخلية لدار العرض وعضو مجلس الإدارة في Magnum المشرفة على إرث شريكها الراحل بيتر مارلو، في اختيار هذا المكان. تروي: "عاينّا نحو 20 عقاراً مختلفاً، وكنا نبحث بصورة أساسية عن مبنى بحالٍ ممتازة، وعن موقعٍ جيد مقارنة بدور العرض الأخرى"، مضيفةً: "أحببت أن المكان يقع في شارع بارز في الجهة الشرقية من باريس حيث تزدهر الثقافة والفنون. ليس المكان ثميناً جداً لأن Magnum لا تُقدَّر بثمن".

بدلاً‭ ‬من‭ ‬الجدران‭ ‬البيضاء،‭ ‬أبقت‭ ‬نايلور‭ ‬على‭ ‬الحجارة‭ ‬والعوارض‭ ‬الخشبية‭ ‬الظاهرة‭ ‬للعيان،‭ ‬ما‭ ‬يُتيح‭ ‬إبراز‭ ‬طبقات‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬دار‭ ‬العرض،‭ ‬وهذا‭ ‬أول‭ ‬مكانٍ‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬اجتياز‭ ‬الباحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬التي‭ ‬تنقشع‭ ‬للنظر‭ ‬بين‭ ‬جدران‭ ‬المعارض،‭ ‬وفي‭ ‬المساحات‭ ‬المخصصة‭ ‬للمكاتب‭ ‬وعقد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي‭.‬


نايلور ومكوي وآرثر في معرض ماغنوم في الدائرة 11 في باريس Bieke Depoorter©

باكورة مشاريع ماكوي في مجال تنظيم الفاعليات في دار العرض الجديدة معرضٌ افتُتِح في 22 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ويمثل جدلاً بين أعمال بروس ديفيدسون، العضو المخضرم في Magnum، وأعمال المصوّر خليق الله الذي رُشِّح للعضوية في عام 2020، وتحديداً من خلال عرض سلسلة من صور فوتوغرافية التقطها ديفيدسون في الستينيات في أحد أحياء شارع إيست 100 ستريت في هارلم، وسلسلة صور التقطها خليق الله عند زاوية الشارع 125 وجادة لكسينغتون في إطار مشروع ما زال مستمراً. تقول ماكوي: "تكمن الفكرة في أن نجمع بين اسم ذائع الصيت في Magnum واسم صاعد. كان مهماً بالنسبة إليّ إطلاق هذه المساحة الجديدة من خلال مدّ جسرٍ بين الإرث القديم والأعمال الجديدة". أما المعرض التالي فيسلّط الضوء على سلسلة من الصور بعنوان Carnival Strippers (متعرّيات الكرنفال)، التقطتها سوزان ميزلاس بين عامَي 1972 و1975، وذلك من خلال إصدارها بالألوان لأول مرة، إضافةً إلى عرض صور التُقِطت خلف الكواليس.

تشدّد آرثر وهيوز على أن الطيف المتنوّع لمصوّري Magnum - أعداد النساء وغير البيض أكبر من أي وقت مضى، وهذه نزعةٌ بدأت، بحسب آرثر، قبل نحو عشرة أعوام وازدادت وعياً منذ احتجاجات حركة Black Lives Matter في عام 2020 – يشمل أيضاً تنوّعاً في الأعمال. فقد أدرَجَت سيم شي يين، المرشحة للعضوية في عام 2018، عرضاً شفوياً في عملها Interventions (تدخلات). ويستعين مصوّرون آخرون، في مقدّمهم خليق الله، بصورٍ متحرّكة في أعمالهم.



Paris‭ ‬on‭ ‬VE‭ ‬Day باريس‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬أوروبا في‭ ‬عام‭ ‬،1945‭ ‬بعدسة‭ ‬روبرت‭ ‬كابا

Bieke Depoorter© مجموعة روبرت كابا من Magnum 

يعني الانفتاح على الجمهور أيضاً أن يُكثِر مصوّرو Magnum من تفاعلهم مع الناس. تقول هيوز: "مؤسستنا حيّة وناشطة. سيكون المصوّرون وأسرة الوكالة حاضرين في المعارض، حيث يعدّلون أعمالهم ويُناقشونها. بعضهم ليس متحمساً لهذه الفكرة، خلافاً للبعض الآخر. فهم عانوا كثيراً في فترة الإغلاق العام، ولم يعوّض تطبيق Zoom عن الانقطاع عن الآخرين. وبالنسبة إلى عدد كبير من الأشخاص، الإحساس بالرابط مع الآخرين هو أحد أهم أسباب انضمامهم إلى Magnum. فيُمكن التصوير الفوتوغرافي أن يسبب العزلة".

ربما يُنظَر إلى اقتحام Magnum
 بجدّيةٍ أكبر عالم دور العرض بأنه تعدٍّ على عمل دور العرض الدولية العريقة التي تعرض أعمال عدد كبير من مصوّري الوكالة أنفسهم.
 لكن Magnum تحصل، بصفتها وكيلةً وجهةً عارِضة أيضاً، على حصتها أينما يُباع أيٌّ من هذه الأعمال. تقول ماكوي: "في نهاية المطاف،
عالم الفنون منظومةٌ تفاعلية، والمهم هو أن نعمل معاً. فدارُ عرضٍ واحدة لا تستطيع أن تحقق كل شيء". ربما لا تستطيع، لكن هذه
بداية جيدة. ‭ ‬‭  ‬

Magnum، في 68 شارع ليون فروت، 75011، باريس، magnumphotos.com

شارك برأيك

0 تعليقات