إذا كانت إيدن، العنوان الجديد في نيروبي الذي يجمع بين الفندق والملاذ المديني والمركز الفني، أشبه بالمنزل، فلعل السبب أنها كانت كذلك في ما مضى. بنت آنا ترزبينسكي، مصممة الأزياء التي ولدت في ألمانيا ونشأت في كينيا، هذا المنزل يدوياً مع زوجها تونيو ترزبينسكي قبل نحو 30 عاماً، حين كانا عروسَين جديدَين في عشرينياتهما. وقد صُنعت طاولات القهوة من خشب مقطّع من مركب شراعي غارقٍ جرفته المياه إلى اليابسة واكتشفه تونيو في أثناء ممارسته رياضة ركوب الأمواج خلال شهر العسل. وعلى الجدران ملصقات منسّقة أنجزها بيتر بيرد، صديق العائلة وجارها، تُجسّد الفنان فرانسيس بيكون والملكة.
عاشت ترزبينسكي حياة حافلة بالأحداث في نصف قرن من الزمن: والدان، زوجان (قُتل تونيو في جريمة بداعي سرقة سيارة في عام 2001؛ وزوجها الثاني الذي انفصلت عنه هو محارب ودليل من قبيلة سامبورو)، افتتاح مخيم في الأدغال ثم إغلاقه، وثلاثة أولاد. واعتمدت علامات تجارية مثل Paul Smith وDonna Karan أكسسواراتها المزخرفة بدقة. تقول لي: "عمري 56 عاماً، وعمر نيروبي المستقلة 58 عاماً. إنَّنا نكبر معاً".
لم يكن تحويل منزلها العائلي إلى فندق ضمن مخططاتها، لكنه ليس بعيداً تماماً عن المنطق. تقول: "الأمر المُدهش هو أنّ جمع خيوط حياتي كلها معاً جعلني أتحرّر. تبدو كأنها بداية جديدة".
"ليس الهدف تسجيل حجوزات كاملة عن طريق استقطاب مسافرين في رحلات سفاري "
تبلورت فكرة إيدن، ومشروع إيدن ذو الطابع الخيري، في العام الفائت من خلال أحاديث تبادلتها ترزبينسكي مع صديقتها وجارتها، الفنانة المعروفة وانغِشي موتو. تقول ترزبينسكي عن موتو التي عُرِضت أعمالها في أماكن مختلفة، ابتداءً من متحف Tate Modern مروراً بمركز Pompidou وصولاً إلى متحف Metropolitan Museum of Art، والتي تصفها بـ"المرشدة والبطلة الصديقة": "تحدّثنا مطوّلاً عن أكثر ما يهمّنا الآن، فيما نعيش في كينيا المعاصرة". شعرت كلتاهما بحدوث التغيير في نيروبي، قبل الجائحة وخلالها. تقول موتو: "للمرَّة الأولى منذ أعوام، مع مغادرة أعداد كبيرة من المغتربين، تباطأت حركة السير، وانقشعت السماء، وبتنا نستطيع أن نسرّح أنظارنا أبعد ممَّا كنا نفعل، حرفياً، منذ طفولتنا"، مضيفةً: "بات ممكناً التفكير في معنى الوطن، خارج كونه مجرد مكان جغرافي؛ فهل نعرف مثلاً مَن نحن كمواطنين كينيين؟"
الباحة في إيدن، فيها أعمال فنية بتوقيع تونيو ترزبينسكي © جيري رايلي
أمضت ترزبينسكي ردحاً من فترة الجائحة محاوِلةً إطفاء النيران التي حاصرتها، إذ كان عليها أن تواجه تراجع مداخيلها. فقد أُلغي فجأةً عقد إيجار منزلها، وأدّى الإغلاق العام إلى توقّف الفاعليات التي كانت تنظّمها لعرض تصاميمها وتأمين استمرارية شركة الأزياء التي تملكها. فعرضت كل ما في مخزونها من أصناف للبيع إلكترونياً في المزاد العلني، بسعر التكلفة، وجمعت بهذه الطريقة المال للحفاظ على استمرارية فريق عملها الحِرَفي المؤلّف بكامله من النساء. تقول ترزبينسكي: "لم تخسر أيّ منهنّ وظيفتها، أو يُخفَّض راتبُها. نعمل معاً منذ ثلاثة عقود، ولدنا معاً، وتزوّجنا، وعلّمنا أولادنا معاً، ودفنّا أزواجنا معاً". في غضون ستة أشهر، ساهم الفريق (الذي اعتاد أكثر على زخرفة سترات أنيقة مصنوعة من الجلد الزغب) في تحويل المباني القليلة في إيدن من منزل عائلي إلى ملاذٍ إبداعي ومركز للفنون، يُقدّم نوعاً جديداً من خدمات الضيافة. فقد خاط فريق العمل الناموسيات، ورسم جدارياتٍ من الفراشات تربط بين القاعات المجتمعية، وصقل الأرضيات المصنوعة من الخشب المقوّى، وغطّى أسطح الباحات المصنوعة من مادة الفيبرغلاس بشِباكٍ بلون الرمال لتخفيف ضوء الشمس.
صُمِّمت تسع غرف نوم في المساحات المختلفة، وزُيِّنت بالتذكارات وسط أجواء مستلهَمة من حياة السفر العابرة. تؤمّن بحيرةٌ وحفرةٌ في الأرض "من صنع النساء" مصدراً للمياه لاستخدامها في مطابخ المحترفين، والفناءُ محاطٌ بحديقة مزروعة بمحاصيل عضوية، تمتد على مساحة 4 أكرات (نحو 16 ألف متر مربع).
تقول ترزبينسكي عن تطلعاتها إلى مشروع إيدن الذي ترى فيه منتدًى سياسياً ونادياً للفنون، يلتقي فيه أبناء المنطقة ليناقشوا مواضيع آنية وطنية وعالمية: "ليس الهدف على الإطلاق اكتمال الحجوزات تماماً باستقطاب مسافرين في رحلات سفاري. لقد تحمّست كثيراً حين أبدى أشخاص مثل رئيسي السابق ريتشارد ليكي، والناشطة كايثي إلدون، تأييدهم لفكرة هذا المشروع". تؤمّن إلدون الرعاية للمشروع من خلال مؤسستها Creative Visions التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً. تقول ترزبينسكي إن مشروع إيدن يستضيف، تحت رعاية هذه المؤسسة، جلسات حوار شهرية يشارك فيها فرقاء مختلفون، حيث "تسقط الأفكار النمطية عن السن والعرق والدين والجندر".
" ليس هناك ما يضاهيه... إنه ديناميكي ويشفي الروح "
بعد أيام قليلة، اختبرتُ الإمكانات التي يقدّمها المشروع بوصفه منصةً للتأثير الاجتماعي. يبدو الليل، عند حلوله، أشبه بستارةِ مسرح تُرفَع على نحوٍ مفاجئ ودراماتيكي؛ تُشعَل النيران والشموع فينبض المكان بالحياة. عند البار الذي تتدلّى فوقه بيوض نعامة كأنها أقراطٌ عملاقة، تلتقي مجموعة منوّعة من الأشخاص، مؤلّفة من فنانين، وناشطين مُناصرين للحفاظ على الموارد الطبيعية، وسياسيين، وخبراء في الطعام، واختصاصيين في عالم المال. في ما خلا نجل كوفي أنان، وبيتر كينيوا، رئيس صندوق Rhino Ark (الجهة المنظِّمة لفاعليات هذه الأمسية)، السيدات هنّ الطاقة الحقيقية في هذا المكان. فقد حضرت سيغريد دييكجاير، المنتِجة الحائزة على جائزة إيمي، مباشرةً من الطائرة التي أقلّتها من مهرجان كان السينمائي. أما الشيف دومينيك كرين الحائزة على ثلاث نجوم ميشلان، والتي حضرت متأبِّطةً ذراع خطيبتها الممثلة الأميركية ماريا بيلو، فقد تأثرت كثيراً بالمكان إلى درجة أنها تنوي نقل الفكرة إلى فرنسا، من خلال إطلاق تجمّع من أشخاص يفكّرون بالطريقة نفسها، ويفضلون عدم الإقامة في الفنادق.
غرفة الجلوس الرئيسية © جيري رايلي
لكن مناسبة اللقاء الليلة هي الاحتفال بمسابقة Rhino Charge الرائعة التي نجحت، خلال فترة الإغلاق العام، في جمع 1.4 مليون دولار من خلال التبرعات من القطاع الخاص الكيني للحفاظ على الموارد الطبيعية. في هذا الإطار، تقول الاختصاصية في علوم التربية نيوكابي كينياتا، وهي ابنة الأب المؤسس للبلاد، إن الكينيين يأخذون زمام
الأمور بأنفسهم. الاعتزاز ملموس، وقد ازداد منذ بدء تفشي الجائحة، حين غادر المغتربون بأعداد كبيرة، كما تقول كينياتا التي تتابع: "بات الأشخاص يعرفون بلادهم على نحوٍ أفضل، ويعتمدون بدرجة أقل على الدعم الدولي".
تشهد نيروبي تغيّراً منذ ما قبل الجائحة بوقت طويل. تتحدث موتو عن "نموٍ عمودي على نطاق واسع، من خلال حلول ناطحات السحاب والشقق السكنية ومراكز التسوّق محلّ أكواخ القش والمتاجر الصغيرة. ويتجدد نشاط روّاد الأعمال في اقتصاد ينعم نسبياً بالاستقرار". لكن إيدن الواقعة في منطقة لانغاتا الخضراء واحةٌ بلا أدنى شك، تحيطُ بها برارٍ لا تزال على طبيعتها في هذه "المدينة القصوى" الآخذة في النمو. قال جميع الكينيين الذين تحدثت معهم إنهم لم يتوقعوا، قبل عشرة أعوام، أن مكاناً كهذا يمكن أن يُبصر النور في بلادهم. تقول لوسي شودوتا، المنتجة الكاريزماتية لمسلسل Rush (فورة)، النسخة الكينية من مسلسل Sex and the City (الجنس والمدينة): "ليس هناك ما يضاهيه. إنه ديناميكي ويشفي الروح".
في المستقبل، تريد ترزبينسكي أن تكتب مذكّراتها، وربما تُطلق مشروعاً آخر على الساحل في لامو. منزلها الجديد قرب إيدن خلية نحلٍ تنبض نشاطاً، بوجود الموظفين والكلاب والأولاد والدجاج الحبشي. تلعب ابنتها وأصدقاؤها في بحيرة إيدن. وفيما كنا نستعد للمغادرة، أشرتُ إلى أن المكان يتمتع بطابع قوي مستلهَم من القرى الكينية. قالت لي ترزبينسكي مبتسمة: "ثمة عبارةٌ وداعية أحبّها كثيراً باللغة السواحلية، نقولها للمقرّبين منا. Tuko pamoja، نحن معاً".
reservations@eden-nairobi.com