ربما ارتبط، لبنانياً وعربياً، أي تصميم جديد لفساتين الزفاف في الخمسة عشرة إلى العشرين عاماً الماضية، بطريقة ما، برؤية المصممة اللبنانية ريم عكرا. تقول: "في بداياتي، كان العنصر الذهبي في فساتين الزفاف البصمة الأولى لي في هذا المجال، وهذا ترونه جلياً في حملتي الإعلانية الأولى، فقد كانت ’شرقية الطابع‘ بامتياز". تضيف عكرا: "تعاونت في هذه الحملة مع المصور روفِن أفانادور، واستوحيت عناصرها كلها من ثقافتي الخاصة، فأنجزنا معاً حملة مفعمة بالشغف، حقّقت نجاحاً كبيراً في السوق. فجأة، بدأ العالم ينظر إلى فساتين الزفاف نظرةً مختلفةً جداً".
بعد انطلاقة منذ عام 1997 ركزت على أثواب الزفاف، بدأت عكرا في عام 2003 بالتوسع نحو تصميم أزياء السهرة، وبعد خمسة أعوام، أطلقت مجموعتها الأولى للملابس الجاهزة، فثبّتت لنفسها ولدار Reem Acra New York التي أسستها مكانةً في قطاع البوتيك.

فستان من أحدث مجموعات ريم عكرا
عكرا خرّيجة الجامعة الأميركية في بيروت والمعهد العالي للفنون وتقنيات الموضة في باريس (ESMOD)، فضلاً عن مكوثها سبعة أعوام في تايوان وهونغ كونغ حين كانت في الخامسة والعشرين، حيث أشرفت على مشاريع تُقدّر قيمتها بملايين الدولارات، ما يجعلها صاحبة نظرة دولية في تسيير شؤون الأعمال وتصميم الفساتين. اليوم، تُطلّ نجمات عالميات مثل بيونسيه وأنجلينا جولي وجاين فوندا وزندايا وتايلور سويفت وأوليفيا وايلد على السجادة الحمراء بملابس من تصميم عكرا. بالرغم من هذا كله، تحافظ المصممة اللبنانية على حماسة شديدة للجوانب الإنسانية في الموضة، فتستمد متعةً من إعادة تصميم الملابس في خزانة صديقاتها، أو من رؤية عرائسها ممتلئاتٍ ثقةً بالنفس في يوم زفافهن. وبالرغم من الوتيرة التي يفرضها عليها عملها بعدما أصبحت مصممةً ذائعة الصيت دولياً، تحافظ على عشقها للابتكار، والصناعة الحِرَفية، والمهارة الفنية في عملها.

لم تعِشْ عكرا طفولةً عادية، إذ انطبعت تلك المرحلة من حياتها بالعنف الذي رافق الحرب الأهلية في لبنان. لكنها ترعرعت في أحضان والدَيها المفتونَين بالتاريخ والجمال والقيمة التي تختبئ في حنايا أماكن غير عادية بانتظار مَن يعثر عليها. شجَّعتها والدتها ناديا، وكانت تعمل في الجامعة الأميركية في بيروت، على تقدير الأنشطة الإبداعية والإلمام بها منذ نعومة أظفارها. وفيما كانت ريم وإخوتها الثلاثة يكبرون وسط منطقة متوترة، كانت والدتهم تحرص على دفعهم إلى الانخراط في أنشطة تُلهيهم عن الحرب، في تكتيك حمائي ترك فيهم أثراً دائماً. وقد حضرت عكرا، بدعم من والدتها، دروساً في تنسيق الأزهار، والرسم، وفن المكرمية أو الدانتيل العربي، ودروساً أخرى كانت متاحة في ذلك الوقت. ساهم ذلك في تطوير التقدير الذي تكنّه عكرا لفعل الإبداع. كان والدها أفتيم أكاديمياً لامعاً في الجامعة الأميركية في بيروت، وهاوي جمع من نوع مختلف. ففي كل يوم أحد، كان يصطحب العائلة لجمع العنبر في الجبال اللبنانية، ثم يُصقَل العنبر ويُنظَّف لاكتشاف كنوز الحشرات القديمة والمتحجّرة المخبّأة بداخله. إذاً، أمضت عكرا طفولتها في كنف عائلةٍ حيث كان أحد والدَيها يغذّي الإبداع فيها، فيما يعلّمها الثاني الصبر والمثابرة.

من أعمال ريم عكرا
لا شك في أن عكرا مفعمةٌ بالطاقة والنشاط. نصيحتها للمصممين أو روّاد الأعمال الشباب بسيطة: "يجب أن تخصصوا الوقت اللازم لما تقومون به، وألّا تستسلموا أمام أي عمل لأنه صعب. أعتقد أن الأمور كانت أصعب لأبناء جيلي. لم تُتَح للنساء الخيارات نفسها التي تُتاح لهن اليوم. فقد بات الطريق سالكاً أكثر أمام المرأة. يمكنكِ أن تحققي هدفكِ، ولا أسباب تحولُ دون ذلك". في الواقع، تشدّد عكرا على أن شعارها الشخصي هو أن "لا سببَ يحولُ دون نجاحي".
منذ صِغَرها، عكرا سيدة أعمال ومفاوِضة متمرّسة تشتري الأقمشة "بالرطل" منذ أصبحت في سنٍّ تخوّلها الذهاب إلى المتجر بمفردها. تروي: "كانت والدتي تعطيني نقوداً وتقول لي ’فاوِضي وقرري واشتري‘. علّمتني كيف أفاوض وأشتري الأقمشة بالرطل، لا بالمتر. كنا نذهب إلى المتجر، وكانت تقول لي ’انتقي ما تريدين‘، وكنت أختار أقمشة يصعب الوصول إليها كي أتمكّن من ارتقاء السلّم لإحضارها. كانت أمي تتركني أتحسس القماش، وتعلّمني أن هذا من نوع الحرير، وذاك من نوع الأورغانزا، وهذا مطرَّز يدوياً، وذاك مطرَّز آلياً. أعتقد أن ذلك مردّه، في جانبٍ معيّن، إلى هوسها بالأقمشة". تتابع عكرا متحدثة عن مرحلة صباها: "لم تكن عائلتي عاديةً أيضاً، لم أكن مهووسة بالموضة، بل بالإبداع". وهي بدأت، منذ الحادية عشرة، ببيع رسومها مستقطِبةً الاهتمام في أوساط مجتمع الفنون المحلي. لم يكن الإبداع يوماً تحدِّياً على عكرا تجاوزه، بل كان سلاحها السرّي.
يبدو أن والدتها ساهمت أيضاً في بلورة علاقةٍ كانت تأسيسية إلى حد كبير في مسيرتها. ففي حين أن الاستعانة بمساعِدة منزلية تُقيم مع الأسرة أمرٌ شائعٌ في لبنان، من النادر جداً أن تكون يد القدر حاضرةً بالطريقة التي حصلت مع عكرا. فعندما قررت والدتها دعوة شابةٍ للإقامة في منزلهم ومساعدتهم، أتاحت لابنتها، من غير دراية منها، فرصةً رائعاً لتمضية طفولتها إلى جانب خيّاطة. تروي عكرا: "ما كنت أعلم بالأمر في ذلك الوقت، فقد أبقَتْه سراً إلى ما بعد وفاة خياطتي. أحضرتْ لأعوام طويلة خيّاطةً من الشارع كي تُقيم معنا وتُساعدنا في أعمال المنزل. كانت شابةً تمر بأوضاع صعبة جداً، بلا منزل ولا مال. كانت والدتي تُحضرها إلى منزلنا ستة أشهر في كل عام، أو حتى أكثر، كي تعيش معنا، وتدفع لها مالاً يكفيها لما تبقّى من العام. كانت تُعيلها، وتحملني في الوقت نفسه على تصميم ملابسي بنفسي". حين بلغت عكرا الثامنة عشرة، كانت خزانتها مليئة بالملابس الجميلة المخيطة في المنزل، وكانت من تصميم تلك الخياطة التي كانت تعمل لديهم وتنفيذها.

ملابس مفصّلة في غرفة التصميم
سارت عكرا على خطى والدَيها، وانضمت إلى أسرة الجامعة الأميركية في بيروت. خلال متابعتها تحصيلها العلمي لنيل شهادة في إدارة الأعمال، انتسبت إلى نادي الموضة. استقطبت الملابس الفريدة التي صممتها اهتمام زملائها في النادي، فطُلِب منها تنظيم عرض أزياء في عام 1982، أي في العام الذي تخرّجت فيه. حضر العرض 2000 طالب، فتذوّقت عكرا طعم الشهرة للمرّة الأولى. تروي أنه في تلك اللحظة، حين رأت مئات الوجوه تنظر بإعجاب إلى تصاميمها، قررت أن تخوض غمار تصميم الأزياء.
في عام 1983، في أوج الحرب الأهلية، تركت عكرا أسرتها في لبنان – كان خياراً صعباً دعمه ذووها – وتوجّهت لمتابعة تحصيلها العلمي في نيويورك. هناك، التحقت بمعهد الموضة التكنولوجي (FIT) وانطلقت في مسيرتها المحفوفة ببعض التوقعات المتفائلة. تقول: "حين قدمت إلى نيويورك، كنت وحدي، ولم يكن أمامي سوى تحقيق الاكتفاء الذاتي. كان عليّ أن أتخذ قراري وأصمّم على النجاح". حتى في ذلك الوقت، لم تكن عكرا مولعةً بالموضة بقدر ما كانت طالبةً مبدعةً وشديدة التحفيز. تتابع: "كان تركيزي ينصبّ أكثر على ما كنت أفعله في تلك اللحظة. لم أكن أركّز فعلاً على الموضة. كنت مسكونةً بهاجس النجاح وما كنت أفعله في تلك اللحظة الإبداعية. أعتقد أنني لم أبدأ بفهم الموضة في السياق الذي تقدمه مدينة نيويورك إلا في مرحلة لاحقة". بعد فوزها بجوائز عدة، منها جائزة قسم تصميم الأزياء عن دفعتها، والتفوّق في مقرراتها الدراسية، تخرجت في معهد الموضة التكنولوجي بدرجة امتياز في عام 1986، وغادرت إلى باريس للدراسة في المعهد العالي للفنون وتقنيات الموضة في إطار برنامج لتبادل الطلاب.

من أعمال ريم عكرا
بعد باريس، عملت عكرا أعواماً عدة في هونغ كونغ وتايوان. كانت تشرف، وهي في الخامسة والعشرين، على مشاريع ضخمة في مجال الرفاهية تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار. وبعد سنوات عدة، تركت حياة البهرجة في هونغ كونغ لتبدأ مشروعها الخاص، فعملت مصممة ديكور داخلي في مشاريع تتسم بالرفاهية والترف قبل أن تطلق العلامة التجارية التي تحمل اسمها. وبعدما أصبحت عكرا شخصية ذائعة الصيت في مجالها، بقيت محافظةً على لمسات من ماضيها في أسلوبها. فوتيرتها في العمل مطبوعة تماماً بأجواء نيويورك التي تفرض عليها السرعة، مع هامش ضئيل للخطأ. أما فاعليتها وأسلوبها في تسيير الشؤون المالية فتستمدهما من هونغ كونغ حيث القاعدة هي "التركيز على الأمور التقنية إنما على نطاق واسع". وعند العمل على إنجاز مجموعة ما، تخوض عملية فكرية، مثلما تعلّمت أن تفعل في باريس، وتعتمد مقاربة شاملة ومتكاملة في التخطيط لعملها. وبوحيٍ من لبنان، تضفي على عملها "حب الحياة"، ونوعاً من العاطفة والشغف والجاذبية، ناهيك عن الموتيفات البصرية التي تعود إلى طفولتها. لبنان "حاضرٌ دائماً" في عملها، وهذه ميزة استثنائية. مثال على ذلك المثلثات المطرَّزة التي أضافتها إلى تصاميم الأوشحة، والتي استوحتها من خزانة تركية قديمة في غرفة نومها حين كانت طفلة صغيرة. تقول عكرا ضاحكة: "ما زال لبنان حاضراً في عملي بعد 23 عاماً، ولا أعرف لماذا أو كيف بدأ ذلك".

فستان Look 18 من مجموعة Soirée
ساهم الوقت والخبرة أيضاً في تغيير الطريقة التي تنظر بها عكرا إلى الهوت كوتور، لكنها لا تزال تمنح البراعة الفنية قيمةً أكبر، وتُقدِّمها على صناعة الموضة. والمصممون الذين ترى فيها مثلاً عُليا يحبون المجازفة مثلها تماماً، ولا يهابون شيئاً في عشقهم الإبداع. تقول: "أحب كل ما له علاقة بالكوتور لأنه يتعلق باللمسة الفنية التي تتميز بها القطعة بحد ذاتها. معظم المصممين الذين ينتمون إلى عالم الهوت كوتور يبتكرون أشياء جميلة. آخر عرض شاهدته كان لدار Dolce & Gabbana، وكان رائعاً جداً، لأن تصاميم هذه الدار تجعلنا نحلم، ولأن مصمميها يجازفون في الأحجام وفي مقاربتهم للكوتور".
تتقن عكرا جيداً المجازفة في عملها. ولعلها تجسّد مقاييس جمالية مختلفة تماماً بين مجموعة وأخرى من فساتين الأعراس أو ملابس السهرة، لكن هناك ما يخاطب العين مباشرة؛ ثمة لمسة فريدة خاصة بريم عكرا نفسها. تقول المصممة: "العناصر الخاصة بي تتمثل بالتفاصيل الزخرفية التي أضيفها. يمكنكم تمييزها عن بُعد. لا أعرف بالضبط ما هي، لكن كثيرين يقولون لي إنه يمكنهم رؤيتها في الحال".
تُضفي خياراتها الجريئة سرديةً وميزة جمالية فريدتَين على كل واحدة من المجموعات. على سبيل المثال، مجموعة Love and Dreem (حب وحلم) لفساتين الأعراس هي مجموعة ملوكية تتخطى الحدود مع عناصر مستوحاة من القصص الخيالية تكاد تلامس السّريالية. فالطرحات المبهرجة التي طُرِّزت عليها كلمة REEM من الجهة الأمامية تُكمِّل على نحوٍ ممتاز التطريز اللولبي المميز بتفاصيل دقيقة والذي يشقّ طريقه عبر المساحة الكاملة للأثواب مع تنانيرها الطويلة. حين نضع هذه المجموعة إلى جانب مجموعة أخرى من فساتين الأعراس، كمجموعة Love from New York (حب من نيويورك)، تتحوّل الأجواء من الفانتازيا المترفة إلى الأناقة المدينية. فساتين الزفاف في هذه المجموعة أنيقة وعصرية، وهي أيضاً مرهفة وكلاسيكية مع لمسة خفيفة من التباهي المديني. تنساب تلك العناصر الزخرفية التي تتميز بها عكرا بطريقة خفيّة وسلسة، لكنها حاضرة. مجموعة Thank You (شكراً لك) ملوكية بقدر مجموعة Love and Dreem، مع لمسة إضافية من الطراوة والتواضع، وكأنك تضيف نفحة عصرية إلى ثوب زفاف ارتدته جدتك يوم عرسها. وفي ما يتعلق بمجموعات الملابس الجاهزة، أحدثت مجموعة Soirée (سهرة) الرائعة التي أُطلِقت مؤخراً وقعاً قوياً. فالعناصر الزخرفية التي تحمل توقيع ريم عكرا حاضرة في هذه المجموعة من خلال الخطوط الأنيقة عند أطراف الملابس والقصّات الكلاسيكية، لكنها تندرج تماماً في إطار المزايا التي تضفي تميّزاً خاصاً على المجموعة بكاملها، مع حفاظها على طابعها العملي الذي يجعلها صالحة للارتداء يومياً.

ريم عكرا في غرفة التصميم
تقول عكرا إن كل مجموعة من مجموعاتها "تنبثق من لحظة معيّنة". وفي حين أن بعض تلك "اللحظات" كانت جزءاً من تجربة عكرا الشخصية، كانت لحظات أخرى ثمرة تعاون بين دار ريم عكرا وغيرها من العلامات التجارية الكبرى. فلنتوقف مثلاً عند تحوّل عكرا نحو تصميم الملابس الجاهزة. ففي عام 2000، بعد ثلاثة أعوام فقط من انطلاقة عكرا في تصميم فساتين الأعراس، طلبت منها متاجر Neiman-Marcus تصميم مجموعة جديدة من الملابس الجاهزة، فصممت مجموعة محدودة من الفساتين، اشترتها الشركة كلها. وبعد ثلاثة أشهر، طلبوا منها تصميم مجموعة خاصة أخرى. تقول عكرا: "كانت المجموعة الأولى مميزة جداً. لطالما جمعتُ عيّنات صغيرة من الأقمشة المطرّزة من باريس، من هنا وهناك. كانت تتميز بقدر كبير من الإلهام، وكانت لديّ رغبة في استخدامها. في ذلك الوقت، كنت أفكّر في تصميم ملابس لامرأة جديدة أو امرأة لا تعرف ما تريد أو ليست لديها تفضيلات محددة. صممتُ مجموعة مختلفة جداً. كانت بعض جوانبها مستوحاة من الشرق الأوسط، إضافةً إلى لمسة فرنسية، وقد نُفِّذت يدوياً". كانت تلك اللحظة مميزة جداً. تحتفظ عكرا في منزلها بالقماش الذي استخدمته في تلك المجموعة. تقول فيما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهها: "في هذه الأثناء، تُقَص هذه الأقمشة لاستخدامها في صناعة وسادات لمنزلي".
استلهمت عكرا موتيفات جمالية أخرى من فاعليات واحتفالات مختلفة شاركت فيها. ففي الذكرى العشرين لانطلاقة الدار، وجّهت إليها مجموعة Tiffany’s دعوة إلى متجرها في مدينة نيويورك للاحتفال بهذه المحطة الأساسية في مسيرة العلامة التجارية. وعرض القيّمون على المجموعة أمامها جميع المجوهرات التي كانت ترغب في رؤيتها، حتى إنهم أخرجوا لها ماسة صفراء كبيرة، وكان ذلك إطراءً شديداً للمصممة. تأثّرت عكرا بهذه المبادرة لكن، وفي تناغم تام مع الذهنية التي عُرِفت بها دائماً، أرادت أن تبتكر شيئاً جديداً ينسجم مع رؤيتها، وكذلك مع العلامة التجارية لمجموعة Tiffany’s. وهكذا استلهمت من أسلوب Tiffany’s الكلاسيكي، فصممت مجموعة من الأثواب السوداء المزيّنة بطريقة تولّد في الناظر إليها وهماً بصرياً بأن ما يراه هو مجوهرات باذخة. فقد طُرِّز الكُمّان والياقة بتصاميم برّاقة شبيهة بالأساور والقلادات. وزيّنت عكرا أيضاً منطقة الوركين في الأثواب بعقدة فراشةٍ كبيرة، فأصبح هذا الموتيف من العناصر التي تتميز بها تصاميمها. وبات لعقدة الفراشة، أسوةً بالموتيفات الأخرى التي تطلقها عكرا، كيانها الخاص، بوحيٍ من اللحظة، لكنها اكتسبت زخماً من خلال الاستحسان الذي لقيته عند الجمهور والنجاح الذي حققته في نفوس زبائن عكرا. تقول المصممة: "أصبحت تلك العقدة تصميماً خاصاً بي. صممتها لمجموعة Tiffany’s، وباتت تحمل توقيعي لأن الناس أُعجِبوا بها. يتعلق الأمر بأخذ عنصر معيّن ووضعه في مكان غير معهود. إنه الأسلوب الذي أستخدمه في إضافة هذه التفاصيل أو حذفها".

حتى المرحلة التي رافقت تفشي جائحة "كوفيد-19" تميّزت بالإنتاجية والتأمل الذاتي بالنسبة إلى عكرا. فهي لم تتوقف عن الإبداع، وصممت مجموعة Embrace (عناق) للتذكير بأهمية اللمس والتعبير الجسدي عن العاطفة. تعلّق عكرا: "أستمد الإلهام من مختلف الأشياء، مثل فيلم قديم. وفي فترة الحجر المنزلي مثلاً، أمضيت وقتاً طويلاً في التفكير في اليدَين والحاجة إلى العناق واللمس الجسدي، فابتكرت مجموعة مريحة جداً للتعبير عن تلك الانطباعات". تضيف: "صممت مجموعة بسيطة جداً ومفعمة بالمرح من خلال الأيادي التي أضفتها إليها. كان الأمر مسلّياً! لم أكن أملك أدوات كافية في شقتي، لذلك كنت أضع يدي على ورقة وأرسمها، ثم أرسلها إلى فريق العمل، وكانوا جميعاً يعملون من منازلهم. المجموعة هي حقاً وليدة لحظتها، بغض النظر عن طبيعة تلك اللحظة". بالنسبة إلى القطاع بكامله، كانت فترة الحجر محطةً لإعادة النظر في الأساليب التقليدية وفي استدامة العروض ودور الأزياء الواسعة النطاق. أما عكرا فوجدت فيها محطة للتنفس والتفكير.
على مر الزمان، ظلت دوافع عكرا الأساسية هي نفسها منذ انطلاقتها، سواءً أرادت تصميم ملابس لنجمة عالمية أم لصديقة مقرّبة. تتميز مقاربتها في تصميم ملابس النساء بالرقّة والدفء. الفساتين التي تصممها عكرا هي المفضّلة لدى المصممين والمشاهير في مختلف أنحاء العالم. وهي صممت، على مر الأعوام، أزياء لعدد كبير من المشاهير، ابتداءً من النجوم الجدد ووصولاً إلى الشخصيات المخضرمة. في هذا الإطار، ارتدت أليسون جاني ثوباً من تصميم عكرا حين تسلّمت جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور مساعد في عام 2018. لكن ذلك لم يجعل عكرا تبتعد عن عشقها الأكبر، وهو جعل المرأة تشعر أنها جميلة وواثقة من نفسها في اللحظات الأكثر أهمية في حياتها.

تواظب عكرا على مساعدة صديقاتها في تنسيق خزانة ملابسهن، وعلى التخطيط لمجموعات خاصة بمناسبات كبرى. تقول: "ساعدت نساء كثيرات على تنسيق خزانة ملابسهن. حين يصبحن مقرّبات مني، أذهب إلى منازلهن وأساعدهن على تنسيق ملابسهن، مع القبعات أو الأحذية أو القفازات. أصمم لهن ملابس كاملة من خلال مجموعاتي، وأساعدهن أيضاً بصفتي صديقة على تنسيق الأشياء معاً. جميعهن شديدات الانهماك ولديهن جدول مواعيد حافل بالانشغالات، لذلك أحرص على تنسيق إطلالاتهن في مختلف المناسبات. أستمتع بأن أكون مقرَّبة من السيدات اللواتي أحبّ أن أصمم لهن ملابسهن". وبدلاً من الاكتفاء بإنجاز العمل، تُطوّر عكرا علاقات وروابط معهن، من خلال القبعات والقفازات، والأهم من ذلك، الفساتين. تريد أن تبتكر تصاميم رائعة، وأن تمنح المرأة ثقةً بالنفس وسعادةً تستمدهما من الشعور أنها جميلة. تقول عكرا: "أصمم أثواباً كي أصنع لحظات لأولئك السيدات. وحين تعيش كل واحدة منهم لحظتها، أعيش أنا أيضاً لحظتي. إذا جعلتُ سيدة تشعر بالسعادة، إذا جعلتها تفرح في يوم العمر وهي تسير نحو منصة الاحتفال، فماذا أريد أكثر؟ يُسعدني أن أراها تتقدّم نحو منصة الاحتفال وهي متحمسة. إذاً لحظتها هي لحظتي أنا أيضاً".
لا تستطيع عكرا أن تكشف عن مكان عملها في الوقت الحالي، إنما في جعبتها مشاريع ومخططات كثيرة. تتطلع إلى المستقبل وتراه مليئاً بالفرص، فما زالت العرائس يتحضرن لعقد قرانهن، لا سيما أولئك اللواتي اضطررن إلى تأجيل حفلات الزفاف بسبب الحجر والإغلاق. تعلّق عكرا: "سيكون عام 2022 حافلاً بالنسبة إلى العرائس"، وهي تتطلع إلى الاحتفال مع كل واحدة منهن. تتابع: "نشعر بأننا نملك الآن القليل من الوقت كي نتنفس ونفكّر ’ماذا ينتظرنا؟‘.. إننا متحمسون".

فستان من أحدث مجموعات ريم عكرا
تملك عكرا محترفاً في شارع وست 35 في منهاتن، ومتجراً في البناء رقم 94 بشارع فوش في العاصمة اللبنانية بيروت، افتتحته في عام 2010 لبيع أزياء السهرة والملابس الجاهزة، إضافةً إلى فساتين الأعراس وأكسسواراتها. يمكن إيجاد تصاميمها في جميع المنافذ الأساسية المخصصة لحياة الترف حول العالم، وكذلك من خلال شبكة Home Shopping Network. في عام 2014، صممت عكرا الملابس الرسمية الموحّدة الخاصة بالمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت حيث كان والداها يعملان، وحيث أقامت عرضها الأول للأزياء في عام 1982. تتطلع عكرا إلى تخصيص المزيد من الوقت للتنفس والتفكير، بحثاً عن وجهات وأسواق جديدة في الداخل والخارج.