تتذكر روز يونياك بعاطفة تلامس الحنان حين وقعت عيناها أول مرة على المكان الذي صار لها داراً في لندن. تقول المصممة الداخلية المعمارية البريطانية: "فكّرت فيه كثيراً بعدما رأيته. كانت الغرف تتمتع بجمالٍ فائق وتزخر بطاقةٍ منبعثة من المجهود الفني. كان واضحاً أنه احتضن في جنباته حياة رائعة".
شُيِّد هذا المنزل في عام 1860 مقراً ومحترفاً للرسّام الاسكتلندي جيمس راني سوينتون المتخصص بالبورتريهات المستوحاة من وجوه المجتمع وصالةً يعرض فيها رسومه، وكان يتميّز من المنازل المحيطة به التي طُليت جدرانها بالجص بواجهته المصنوعة من القرميد وبتاريخه البوهيمي الذي لا يُقاوَم. في مرحلة لاحقة، أصبح المنزل ملكاً لفنان النقش في الخشب إيان مكناب قبل أن يتحوّل إلى مدرسة للفن الحديث في عام 1925. وحين وقعت عينا يونياك عليه، كان في حالة مزرية جداً، إذ تعرّض للقصف خلال الحرب العالمية الثانية. وتحوّل في ما بعد إلى مساحة للمعروضات لا روح فيها، بينما بُنيت سلسلة من الشقق في الدور السفلي. وفي ما خلا المواقد الأصلية، فقدَ المنزل جزءاً كبيراً من رونقه. لكنه ترك وقعاً قوياً في نفس يونياك. وبعد مرور ثلاثة أعوام على رؤيتها للمنزل، استسلمت لسحره.
كنت أبحث عن منزل حيث يمكنني أن أعيش بحرّية مطلقة"
تقول يونياك: "أصبح خاضعاً لإدارة مؤسسية، وفُقِد الكثير من الميزات التي كان يتمتع بها، لكنني أدركت أنه يمكننا أن نبعث فيه الروح من جديد ونعيده إلى مجده السابق". وهكذا، انطلقت المهمّة الهائلة لتحويل قصر سوينتون المتداعي إلى منزل عائلي أنيق وعصري. لتحقيق هذا الهدف، تعاونت يونياك مع المهندس المعماري البلجيكي فنسنت فان دويسن، وكانت الخطوة الأولى إعادة المكان إلى هيكله المعماري الأصلي قبل الشروع بأبحاث ترفد عملية استعادة تفاصيله التاريخية وترميمها، بدءاً من الأفاريز الزخرفية مروراً بالأطناف ووصولاً إلى القوالب المصبوبة.
تتسم المقاربة التي تعتمدها يونياك بدقّتها العلمية. تقول المصممة التي تتشارك المنزل مع زوجها المنتج السينمائي ديفيد هيمان وابنهما هاربر وهو الأصغر بين أولاد يونياك الخمسة: "حتى لو لم يكن هناك عميل نعمل على إقناعه، كانت الفكرة الكامنة وراء هذا المشروع جزءاً مهماً من عملية الترميم. كنت أبحث عن منزل حيث يمكنني أن أعيش بحرّية مطلقة. كانت عائلتي تضم عدداً كبيراً من الأولاد، لذلك كان ضرورياً أن تتوافر مقوّمات الحياة السهلة إنما مع لمسة من الأناقة والأجواء المرحِّبة".

كان ثمة لحظات من الإلهام أيضاً. فقد قادها نقاشٌ مع فان دويسن إلى تكليف منسّق الحدائق طوم ستيوارت - سميث تحويل الصالة المصممة بالأسلوب الفيكتوري التي كان سوينتون يستخدمها لعرض رسومه إلى حديقة شتوية. كان سقف الصالة الزجاجي المقبب قد تضرر في غارة جوّية شُنَّت خلال الحرب، لكن عندما بدأوا بتفكيك البنية البيضاء المربّعة التي حلّت مكانه في السبعينيات، اكتشفوا الروافد الأصلية تحتها. تعلّق يونياك: "كان المشهد رائعاً جداً. واتضح لي على الفور أنه يجب الحفاظ تماماً على الطابع الخام لهذه المساحة". اليوم، تشكّل الروافد التي نُظِّفت يدوياً بعناية شديدة إطاراً يحيط بكنزٍ ثمين من النباتات والتماثيل، ما يضفي، إلى جانب النافورة الرخامية التي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، طابعاً فخماً يليق بالقصور.
أرست عملية الترميم، التي أُنجِزت بعناية شديدة وانتهت في عام 2012، المرتكزات اللازمة لتركيبةٍ جمالية قوية الوقع تتّسم بالصفاء والحس المرهف في آنٍ واحد، وقد أُبرِزت على نحوٍ متقن في كتاب جديد بعنوان Rose Uniacke At Home (روز يونياك في منزلها). وكانت للمنزل مساهمة أساسية في أدوار ثلاثة تؤلف اليوم شخصية يونياك. يأتي في صدارة هذه الأدوار عملها مصممةً داخليةً معمارية ذائعة الصيت، في رصيدها مشاريع دولية في مجال التصميم، منها المقر الرئيس للعلامة التجارية Jo Malone في ماريلبون، والمقطورات الفخمة المخصصة لتناول الطعام في قطارات The Royal Scotsman، ومنزلي آل بكهام ومركيز مقاطعة بوت، لكنها تعمل أيضاً في تجارة الأثريات وتعرض القطع الأثرية بطريقة متقنة ومرهفة تجعل القديم يبدو جديداً. وتتولى أيضاً تصميم مجموعة Rose Uniacke Editions التي تحقق ازدهاراً سريعاً، والتي تتألّف من قطع الأثاث والأكسسوارات المنزلية، بدءاً من أوراق اللعب مروراً بحقائب اليد ووصولاً إلى الكنبات، وكان منزلها في لندن نقطة انطلاق لعدد كبير من هذه القطع.
هل تشعر بالانزعاج حين يطلب منها الزبائن مراراً وتكراراً أن تصمم لهم غرفاً مستنسَخة تماماً عن الغرف في منزلها؟ تجيب: "حين يطلبون مني تصميماً مستنسَخاً عن منزلي، فإنهم يبحثون فعلياً عن الراحة وعن تصاميم لا تفقد رونقها بمرور الوقت"، مضيفةً: "فضلاً عن ذلك، كل مشروع يختلف عن الآخر. تنكشف لك الأمور شيئاً فشيئاً. أخطط كثيراً لكنني لا أحب أن أبقى أسيرة أفكاري. يجب أن تكون هناك فسحةٌ متاحة للتغيير".
لا يعني ذلك أنه لم تكن هناك خطة مرسومة بدقة. تقول يونياك عن تطوّر أعمالها وتسيير مشاريع المحترفات التي تشرف عليها مع 13 شخصاً من طاقم عملها، فضلاً عن عملها في العادة على ثمانية مشاريع متزامنة في مختلف الأوقات: "إنها عملية منظَّمة جداً". يستغرق تنفيذ كل مشروع من عامين إلى ثلاثة أعوام، ويتطلب جدولاً يسير كما عقارب الساعة. تعلّق يونياك: "أحبّ الروتين، لكن تطرأ دائماً تغييرات كثيرة خلال اليوم".
أطلقت يونياك، استناداً إلى احتياجاتها ورغباتها، مشروعاً للبيع بالتجزئة بات يستحوذ الآن على نصف أعمالها، وهو يحقق نمواً سريعاً. تقول: "قبل تفشّي جائحة كوفيد-19، كنا نسجّل نمواً قوياً، مع زيادة المبيعات بنسبة 20 بالمئة سنوياً، لكن المبيعات ارتفعت اليوم بنسبة 70 بالمئة مقارنةً بالعام الماضي". إذا لم تجد التصميم الملائم، تعمد في معظم الأحيان إلى ابتكاره بنفسها. إن الترف بحسب هذه الشروط حاجةٌ تُلبّى بحد أدنى من الصخب.
في أيلول (سبتمبر)، افتتحت يونياك صالة العرض الثانية، The Rose Uniacke Fabric Shop، التي تعبّر من خلالها عن عشقها للأقمشة والمنسوجات، علماً أن أول منتج صممته في مسيرتها المهنية كان بطانيةً كبيرة من الكشمير. تقع صالة العرض الجديدة في شارع بيمليكو قبالة صالة العرض والمحترف اللذين أنشأتهما في عام 2010، وقد قامت أخيراً بتوسيع المحترف. المتجر طويلٌ ضيّق العرض حسن الإنارة يكتمل تصميمه بالسلالم المتقوِّسة التي شُحِنت من بلجيكا، وستُعرَض فيه مجموعة غنية من المنسوجات وأغطية الأسرّة والطاولات على أثاث منجّد من تصميم يونياك. رؤية يونياك لتجربة التسوّق التي تتسم بالسلاسة مختلفة تماماً عن زحمة التسوق العادي في متاجر التجزئة. سيعاين المستوّقون المعروضات بتأنٍّ في رواق تُعرض فيه أقمشة الكشمير والكتان والقماش القطني المضلّع، مع صفوف من عيّنات المنسوجات معروضة على تعاليق بسيطة. وستتيح طاولات Draper’s الواسعة معاينة الأقمشة بطريقة تحاكي الغرفة التي أنشأتها المصممة لتكون بمثابة عيّنة نموذجية. تقول يونياك: "أحبّ السخاء في عرض الأشياء كي يتمكن الأشخاص من رؤيتها كما يجب، وكي يمروا بتجربة تتسم بالهدوء والصفاء".
إضافةً إلى إبراز الجوانب المختلفة للأعمال، يتيح المتجر الجديد فرصةً لبلورة المعايير البيئية التي تراعيها يونياك في عملها. فهي تتعامل مع مصانع صغيرة وتستخدم، حيث أمكن، مواد مصنَّعة بطريقة مسؤولة ومستدامة، بهدف تقليص الأثر البيئي إلى الحد الأدنى. وقد أُضيفت أخيراً 52 قطعة قماش إلى المجموعة، منها أنسجة للمفروشات الخارجية مصنوعة من مواد بلاستيكية أعيد تدويرها، وكتان عضوي بكميات صغيرة، وحرير هندي من نوع Indian Peace Silks منسوج يدوياً على النول وتنتجه مؤسسة اجتماعية تسمح لديدان القز باستكمال دورة حياتها قبل حصاد الحرير. وتعمل يونياك حالياً على تحويل عدد كبير من الأقمشة المتبقّية من مشاريع الديكور الداخلي إلى أغطية فخمة للأوسدة مؤلّفة من قطع قماشية مختلفة، وإلى منسوجات تُعلَّق على الجدران، ويتولّى حائك من مصانع بريستول للحياكة تنفيذ هذا العمل. وسوف تُعرَض في المتجر أيضاً مجموعة يونياك الأولى للدهانات الطبيعية المستمدة من الحجر الجيري، واستُخدِمت أيضاً في طلاء جدران المتجر. تتولى شركة Graphenstone في نورفولك إنتاج هذه الدهانات، وقد وقع الاختيار عليها بفضل سجلها في مراعاة الشروط البيئية. تقول يونياك: "اللافت هو أن أحد أنواع الدهان يمتص ثاني أكسيد الكربون من الغرفة".
في عالم يونياك، جميع الأغراض هادفة بقدر ما هي ممتعة. وهي ترى أن التصميم الرائع متعةٌ للحواس بقدر ما هو متعة للنظر. تقول: "سواءً أكان منزلاً أم غرفة أم متجراً، يجب أن يمنحك المكان شعوراً جميلاً. دوري هو الحرص على تحقيق التناغم والتناسق وسهولة العيش بما يجعل الشخص يرغب في تمضية وقته في هذا المكان. وأشعر أنني ما زلت في بداية الطريق".
صدر كتاب روز يونياك Rose Uniacke At Home (روز يونياك في منزلها) مع نصوص بقلم أليس راوسثورن (Rizzoli Books، بسعر 150£) في 5 تشرين الأول (أكتوبر). فتح متجر Rose Uniacke Fabric Shop أبوابه حديثاً في بناء رقم 103 بشارع بيمليكو. تتوفر مجموعة الدهانات The Rose Uniacke Paint Collection في متجر Rose Uniacke Fabric Shop وعبر الإنترنت اعتباراً من مطلع أيلول (سبتمبر)