الكتب التي تتحدث عن لندن هي الشيء الوحيد الذي أجمعه. بدأت علاقة الحب القديمة هذه، في شكل غير ناجح إلى حدٍّ ما، عام 1994، مع شراء كتاب يتضمن خرائط المدينة معروضة بالأبيض والأسود. خلال السنوات الـ15 التالية تقريباً، تحوّل اللون ببطء إلى الأحمر، مع كثرة رسم الخطوط على الطرق لكن، في نهاية المطاف، اهترأ إلى فتات في أسفل حقيبتي. واليوم الذي وجب فيه استبدال كتاب ملون حديث به كان يوماً حزيناً لأنني تعرفت إلى لندن للمرة الأولى من خلاله: كنت أمشي فيها فقط، قبل وقت طويل من أن أفهم طبقاتها، أو قدم تاريخها، أو مقدار تغيّرها في السنوات التالية.

الروائية إيميار ماكبرايد © صوفي باسولز
سهَّل الأمر أنني لست صعبة المراس، واقتصادية إلى حدٍّ كبير؛ لم يزد أعلى مبلغ أنفقته عن 50 جنيهاً إسترلينياً. والجميع مرحّب بهم في مجموعتي غير المميِّزة وغير الشاملة تماماً. فالطبعة الأنيقة لعام 1961 من The Ladybird Book of London (كتاب لندن من لايديبيرد) ("شارع بيردكايج – يا له من اسم مرح لشارع!") يقبع بسهولة إلى جانب طبعة لعام 1963 من كتاب مايكل هاريسون London By Gaslight (لندن تحت أضواء الغاز) الذي يكثر كاتبه من الشكوى – "كان شعار جيش الإنقاذ – 'الدم والنار' يعني شيئاً آنذاك". ومن المناسب تماماً أن تقبع الطبعة الأولى من كتاب بوزويل المثير والسيّئ السمعة London Journal (يوميات لندن) إلى جانب كتاب توم كوين السيّئ الذوق London’s Strangest Tales (قصص لندن الأغرب)، مع وصفه المختصر لشارع بيوت الدعارة وغطاء كرسي الحمام المزوّد بزنبرك الذي اخترعه السيد كرابر.
![]() |
![]() |
وبعد قول ذلك، بغض النظر عن تبعثر النهج الذي اتّبعته، تمكّنت رغم ذلك من إضافة بعض من الأعمال الكلاسيكية. هناك الكتاب الضخم لبيتر أكرويد London: The Biography (لندن: البيوغرافيا) الذي ينقل في أكثر من 800 صفحة المدينة من قاع البحر تحت واترلو خلال العصر الجوراسي المتأخر إلى قمة مبنى الكاناري وارف. وهناك نسخة قديمة خلف عليها فنجان قهوة أثراً من كتاب إيان نارين Nairn’s London (لندن نارين)، مليئة بتأملاته في العمارة والحانات والأسواق. لكن المفضل لدي بين هذه الكتب التي لا غنى عنها هو طبعة مهترئة جداً وملطخة بآثار المياه تعود إلى عام 1870 من الكتاب الصادر عام 1821 وعنوانه Life in London: or, The Day and Night Scenes of Jerry Hawthorne, Esq, and his Elegant Friend Corinthian Tom, in their Rambles and Sprees through the Metropolis (الحياة في لندن: المشاهد النهارية والليلية لجيري هاوثورن المبجل وصديقه الأنيق كورينثان توم في نزهاتهما واستمتاعاتهما في العاصمة). فهذا العمل المفترض أنه متخيل والذي حقق مبيعات قياسية في القرن التاسع عشر عبارة عن صورة غير محجوبة إلا قليلاً لملاه مختلفة خلال انحلال مجتمع عهد الوصاية على العرش استمتع بها مؤلف هذا العمل، بيرس إيغان، وواضعا الرسوم التوضيحية اللذان نالا شهرة في زمننا، جورج وآيزاك روبرت كرويكشانك. وقد يتضمن كتاب "توم وجيري" هذا تهكماً جنسياً، لكنه شاذ في شكل منعش بالنسبة إلى المرحلة في تصويره لكل من الطبقة العليا في لندن وأولئك الذين لم يذكرهم التاريخ إلا قليلاً من فقراء المدن، والجنود أبناء المستعمرات، واللندنيين السود، والنساء ذوات الفضائل المتفرقة الذين لم تُضفَ عليهم صفة رومنطيقية. وإذا كانت مغامرات أبطالنا "الذين لم يُحتفَل بهم" لا تغري، فالرسوم التوضيحية غير المحتشمة ستفي بالغرض بالتأكيد.

تنظيف ليلي في لندن: مشهد عند قاعدة النصب، حوالى 1935، من كتاب Wonderful London (لندن الرائعة)، من تحرير سانت جون أدكوك

وأعلى بكثير من قواميسي وموسوعاتي المتخصصة الكثيرة، المخصصة لمتابعة تمدد لندن في الزمان والمكان، تقبع كتب التاريخ الأربعة الممتازة بقلم ليزا بيكارد. قد يكون Restoration London (لندن خلال عهد استرداد العرش) المفضل لدي، لكن كل كتاب معزز بقوة بحوثها ولغتها القوية البليغة على الصفحات. ومن المجموعات الأخرى المغرمة بها ثلاثية أكثر قيمة تعود إلى عشرينات القرن العشرين بعنوان Wonderful London (لندن الرائعة)، وهي من تحرير سانت جون أدكوك، وتحمل العنوان الفرعي المتواضع "المدينة الأعظم في العالم يصفها أفضل كتابها ويصورها أفضل مصوريها". وبعيداً عن العظمة، من الصعب ألا يقع المرء أسيراً للشوارع الفارغة في شكل مرعب في السنوات الفاصلة بين الحربين العالميتين وألا تحركه صور تخص لندن التي اختفت: مشغلو الغراموفون في الشوارع، والخراف التي ترعى قرب بحيرة السربنتين، و"عميل وبائع لحوم للقطط" (لإزالة أي شك، يبدو أن العميل في الصورة هو القطة).
London You’re Beautiful (لندن أنت جميلة) من تأليف دافيد جنتلمان
Quiet London (لندن الهادئة) من تأليف سيوبهان وال
لكن أحياناً لا يكون التمدد هو ما يسعى إليه الكاتب، ما يؤدي بإغراء إلى كتب لا تنتهي عن مناطق إدارية ومراحل ومجتمعات محلية وأنظمة نقل محددة. وهكذا يحمل هذا الطرف من رفي أي شيء من نسخة من عام 1929 للدراسة المتعاطفة التي أجراها ستيفان غراهام للتشرد والفقر، وعنوانها London Nights (ليالي لندن)، إلى رحلة سوكديف ساندو عام 2007 عبر المدينة في كتاب Night Haunts (مطاردات ليلية)، وBohemia in London (بوهيميا في لندن) لآرثر رانسوم، وJewish London (لندن اليهودية) لرايتشل كولسكي، وQuiet London (لندن الهادئة) لسيوبان وول، إلى الرسوم بالألوان المائية البديعة لديفيد جنتلمان في كتابه London, You’re Beautiful (لندن، أنت جميلة) الصادر عام 2012.
أستخرج معظم كتبي من متاجر مستقلة أو مكتبات للكتب المستعملة، وأطلبها أحياناً عبر الإنترنت. لكن قبل الجائحة، اكتشفت محلاً لمؤسسة خيرية محلية ذا إمداد متجدد دائماً للكتب الغريبة وقد تعلقت به. ثم بعد ظهر أحد أيام السبت، كشف المتطوع المسن الذي يعمل على الصندوق أنها في الواقع مجموعته التي تتدفق إلى الرفوف. وفي حين أنه كان مستعداً كفاية للتخلص منها، كان مسروراً مع ذلك أن يرى ما جمعه طوال حياته من كتب ليست بالثمينة لكن ذات قيمة إلى حد كبير تبقى إجمالاً مع بعضها بعضاً. وأحبّ الأمر، فكرة أنني الراعي التالي، وأنني أضيف إليها إذ أستطيع وحين أستطيع، ثم نقلها إلى شخص آخر يوماً ما. وهذه صفة لندنية على ما أعتقد، والسبب أن طبعة عام 1908 من كتاب إي في لوكاس A Wanderer in London (جوال في لندن) الذي يملكه الرجل وبتّ أملكه أنا يقول: "لكتاب عن لندن – لألف كتاب عن لندن – ما من نهاية حقاً".
كتاب إيميار ماكبرايد Something Out of Place: Women and Disgust (شيء خارج المكان: النساء والقرف) نشرته Wellcome Collection بسعر 9.99 جنيهاً إسترلينياً في 12 آب (أغسطس) 2021